و تجمع كل الأجيال ، في جو من الفرح و البهجة يضفي على وجه تونس العاصمة مسحة من الصفاء والجمال.
ما تتضمنه الأفلام من إبداعات متفاوتة في التفكير و الوصف والتشخيص والترويح و السمو ، تسافر بالمتابعين من مكان واحد ، إلى أغلب أصقاع العالم في رحلة إستكشاف و تأمل لا يُنسى، إنّما يثري الفكر و الروح و يترك المشاهد في لحظات مؤانسة مع إنسانيته.
في فضاء يجمع 18 قاعة عرض في مدينة تونس الكبرى ، و بمتابعة حوالي 300 ألف مشاهد حسب ما تم الإعلان عنه ،في مناخ مناسب ، يلتقي الأصحاب و الأحباب والعابرون و الزوار ، في مهرجان تتخلص فيه المدينة من هرج المنابر ،لتتكرّر يوميا اللّقاءات العابرة و العفوية لاقتسام أطباق من ثقافات مختلفة ، على نخب السياحة الثقافية الّتي انحسرت في الفترة الأخيرة بسبب جائحة كوفيد 19 و جراء جوائح العشرية الأخيرة الّتي أتت على الأخضر واليابس في الأوضاع السياسة العامة بكل تفرعاتها منها والسياسة الثقافية.
هذه السياسة الّتي غيبت التمييز الإيجابي بين مختلف المدن و جعلت مدنا مثل صفاقس والكاف و طبرقة و نابل وغيرها من المدن دون أي قاعة عرض بعد أن أغلقت أبوابها بالسلاسل قبل تحويلها إلى فضاءات تجارية، واقتصرت بعض دور الثقافة الّتي صمدت ولم يجرفها تيار اللاّمبالاة و التجاهل ، على بعض العروض في بعض المناسبات وظلّت بعض الإجتهادات للسنمائيين الهواة تصارع من أجل البقاء. كل هذا بسبب سياسة المسؤولون عديمي الثقافة الّذين يعتبرون المسرح و السينما مجرد ترويح عن النفس، رغم ما يحتاج إليه المرء من ترويح. هؤلاء الّذين لا يلتفتون إلى الفنان الّذي يذوب من أجل وعي شعبه و إنارة فكره ، كي يحافظ على المكاسب و يعمل من أجل تدعيمها ، فيتركونه يواجه مصيره، قبل أن يستسلم بسبب قلة الإمكانيات وغياب الدعم . و يحدث هذا رغم أن السياحة الثقافية ، تحقق أكثر من هدف و يكفي الرجوع إلى الفترات الزاهرة الّتي كانت فيها تونس وجهة محبّذة على إمتداد العام، كما كانت الأنشطة الثقافة -عندما كانت الإرادة متوفرة- لا تقتصر على على المدن حيث كانت حافلات السينما والمكتبات المتجولة تتحول إلى مختلف المناطق بما فيها الأرياف ، و قد كان ذلك بسبب الإيمان بدور مختلف للفنون والتربية والتعليم لمقاومة الجهل والتخلف.
ليس صعبا على السلطة ، إذا توفرت الإرادة ، أن تعيد الحياة إلى دور الثقافة وأن تشجّع على الاستثمار بالتشجيع بالمال والتجهيزات والإعفاء من الأداءات ومن المعاليم الجمركية وتطوير التصورات بخصوص فتح فضاءات مزدوجة النشاط، أو متعدّدة الانشطة كالمقاهي الثقافية والمركبات الثقافية والرياضية و التجارية، كما هو الحال في بعض المركبات التجارية.
يجب أن تدخل أيام قرطاج السينمائية الفرح إلى كل المدن دون التخلي عن المظاهر الاحتفالية المركزية بتونس، مع مواصلة جعل هذه الأيام تتزامن مع عطل التلاميذ و الطلبة و توفير مختلف الظروف المشجعة على المتابعة . و يجب الإقلاع عن تصور أن المجال الفني بكل أنواعه، موجّه إلى الخاصّة، والاستفادة من التجارب السابقة و تجارب العديد من الدول الّتي لم تستسلم لغزوة المجال الإلكتروني السمعي و البصري ، لأن المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية ، لا تقتصر على تنشيط الحياة الثقافية بل تنشط الحركة الإقتصادية والسياحة كذلك، الأمر الّذي يقتضي مساهمة الفضاءات التجارية والمؤسسات الاقتصادية والسياحية في تخصيص نسبة من أرباحها للمساهمة في تنشيط الحياة الثقافية عموما، لأن هذه الأيام وغيرها ليست ككل الأيام لكل التونسيين.