تتحوّل إلى فضاءات لمسرحة العنف؟ ولِم احترفت فئات كثيرة من التونسيين ممارسة العنف الرقمي؟ ولمَ يعتبر الخطاب السياسي الرسمي الصادر عن رئيس الجمهورية مصنّفا ضمن خطابات الكراهية؟
لا بدّ أن نشير إلى البعد المعولم لهذه الظاهرة فالتونسيون ليسوا منعزلين عمّا يجري من حولهم من ممارسات كرّستها الأصولويات الدينية المختلفة ودعاة اليمين المتطرّف وأنصار الشعبوية وغيرها من التيارات النيو -نازية أو المرسّخة لاستعلاء البيض Neo-Nazi and white supremacy أو المناهضة للسود أو المهاجرين أو اللاجئين أو المسلمين و غيرهم من الفئات التي تصنّف على أساس غَيرتها وينظر إليها باعتبارها «الآخر» المهدّد للأنا.
ولعلّ ما يسترعي الانتباه في هذا الخطاب المفعم بكراهية الآخر ومقته والرغبة في تجريده من خصاله الإنسانية والعمل على إيذائه بكلّ الوسائل أنّه لم يعد خاصّا بالمجتمعات الاستبدادية بل صار ملمحا خاصّا ببنية العلاقات السائدة في المجتمعات الديمقراطية الليبرالية، وهو لا يصدر عن بعض الفئات التي تعاني من المشاكل النفسية بحيث يمكن اعتباره شكلا من أشكال التواصل «المعزولة أو الشاذة» بل إنّه صار متاحا للجميع يستعمله ربّ الأسرة والوزير والقاضي والشرطي: الرجل والمرأة ، والكبير والصغير، والإمام والمريد والمعلّم والمتعلّم فيخترق بذلك كلّ الجنادر والطبقات والأسنان و غيرها.
وانطلاقا من معاينة واقع التونسيين/ات ورصد أشكال تواصلهم يمكننا الجزم بأنّ خطاب الكراهية صار مُمأسسا ومُعمّما و«عاديا» بل إنّنا لا نبالغ إن اعتبرنا أنّ نصب محاكم التفتيش والدعوات اليومية لمحاسبة هذا الفاسد بذكر اسمه ونشر كلّ معطياته الشخصية وشنّ حملات تشويه السمعة وممارسة الضغط وتنظيم حملات لحرمان الشخص من استعمال صفحته الفايسبوكية للتعبير صار من الممارسات «الممتعة» في نظر أغلبهم، والتي تقيم الدليل على انهيار المنظومة القيمية وخفوت الحسّ الإنسانيّ.
ولئن كانت دوافع انسياق التونسيين/ات وراء «موجة» الكراهية متعدّدة منها النفسي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها فإنّ ما يثير القلق تأسيس الخطاب «القيسيّ» منذ المنطلق، على ثنائية النحن في مقابل الهم ، والأنا في مقابل الآخر وهي ثنائيات متضادة تصنّف الأنا في دائرة الخير والصلاح والاستقامة والوطنية والإرادة السياسية المكرسة للعدل في مقابل الآخر رمز الشرّ وصنو الشيطان والفاسد والخائن والعميل، و«المتاجر بعذاب الناس»...
يكفي أن نذكّر بهذه المفردات (هم الذين اعتقلوا الثورة ، هؤلاء في قلوبهم مرض، لهم اتصالات بدوائر أجنبيّة مشبوهة، من ألفوا الغدر والرياء، المتربصون، العملاء والخونة والمخبرون والمجرمون، من دفعوا الأموال، دأبوا على الكذب والافتراء، «لا عاش في تونس من خانها» ويقصدون أنفسهم دون أن يشعروا، وعلينا تطهير البلاد، من يخوض المعارك، الزلزال ، سنطلق الصواريخ.. ) حتى ندرك أنّ هذا الخطاب لا يستقيم إن خلصناه من هذا المعجم الحربي ومن وظيفة التحفيز وشحن الهمم والتعبئة...
وليس خطاب الكراهية إلاّ وسيلة للفرز وإعادة التصنيف على قاعدة الولاء والاصطفاف. فيقسّم التونسيون من جديد إلى فئات متضادة أوّلها فئة تمثّل الشعب الراغب في التغيير والداعم لسياسات الرئيس أو المرحب بهذه القرارات «التصحيحية» في مقابل الفئة الضالة: الخونة و العملاء والفاسدون و... وينجم عن ذلك ترسيخ مناخ الاستقطاب الحدّي وتفكيك النسيج المجتمعي
ولاشكّ عندنا أنّ استشراء خطاب الكراهية في رأس السلطة وقاعدتها مهدّد للمناخ الديمقراطي وللثقافة الحقوقية وللاستقرار والأمن الاجتماعي ومؤذن بالخراب إذ لا يخفى أنّ خطاب الكراهية إذا لم يتمّ الحدّ منه، سيتحوّل إلى خطاب تحريضي إقصائي مرسّخ للعنف في جميع تجلياته سيأكل الأخضر واليابس، لاسيما بعد انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب والاستخفاف بـ«سيادة القانون» ودولة المؤسسات والقانون وثقافة القانون.
التونسيون وخطاب الكراهية
- بقلم امال قرامي
- 09:35 05/11/2021
- 1204 عدد المشاهدات
ما الذي يجعل خطاب الكراهية جذّابا في نظر شرائح واسعة من التونسيين/ات؟ وما هي الأسباب التي جعلت مواقع التواصل الاجتماعي