ونجد بعض الاهتمام بمتابعة مواقف قادة الدول العربية. ولا ضير في ذلك مادامت الدولة بحاجة إلى الدعم الخارجي لضمان مصالحها الحيويّة. في المقابل لا يكترث المهتمون بالشأن السياسي، في الغالب، برصد مواقف القيادات الدينية' في حركات «الإسلام السياسي»، ولا بمواقف زعماء التيارات الجهادية من «محنة الإخوان». وقد تُفسّر اللامبالاة بتعمّد تجاهل هذه المكوّنات التي فقدت رصيدها الحركي وشعبيتها وباتت تحت السيطرة الأمنية لاسيما بعد سقوط «دولة الخلافة» أو بانتفاء الفضول في معرفة رأيها في الموضوع أو بالحرص على تهميشها وعدم الاعتراف بأنّها صاحبة رأي. وقد يُفهم عدم الاهتمام بهذه الآراء بتغيّر السياق وموازين القوى ممّا يجعل إفادة التيارات الجهادية من السياق الحالي للقيام بالتعبئة الشعبية والاستقطاب أمرا مستبعدا جدّا.
غير أنّ المتابع لردود الأفعال المختلفة لا يسعه إلاّ التوقف عند تصريحات بعض «الجهاديين» من حدث 25 جويلية والتي تتسم في الغالب، بشدّة لهجة الانتقاد الموجّه إلى حزب النهضة والتي تصل إلى إظهار التشفّي. يقول أبو بصير الطرطوسي مخاطبا قيادات النهضة: «لن تجدوا من يبكي عليكم... فهذه مكافأة الذين يرفعون شعار«فصل الدعوة عن السياسة» وشعار «الحرية قبل الإسلام»، وقبل تطبيق تعاليم وقوانين الإسلام. «فأنتم لم تنالوا الحرية ولم تدعموا الدين!» ويذهب أبو البراء الليبي إلى تخوين النهضة لأنّها «طاغوت يستبدل شرع الله ويقبل بالديمقراطية». ويتبنّى «تنظيم الدولة الإسلامية» موقفا أشدّ راديكالية إذ يعتبر ممثلي حزب النهضة مرتدّين يستحقون الخزي واللعنة. وفي الواقع ليس غريبا أن لا تتآزر الأحزاب التي تنضوي تحت»المرجعيّة الإسلاميّة' في وقت الشدّة. ففي السياسات تنفصم العرى بين «الأخوة في الله» وتحدث الإيلافات بين «الأعداء» على قاعدة المصالح ووفق مقتضيات السياق. ولذا فإنّه من غير المتوقّع أن تتعاطف القيادات السلفيّة الجهادية مع ما حدث لحزب النهضة في تونس بعد 25 جويلية.
يتجلّى التباين في وجهات النظر بين هذه القيادات وحزب النهضة في تمثّل آليات التمكّن من السلطة، فبينما تمسّكت التيارات الجهادية بخيار التغيير بالقوّة واللجوء إلى العنف دافعت أغلب قيادات النهضة عن الديمقراطية/ الديمقراطية الإسلامية ، العلمانية الجزئية،...ورأت أنّ مسار التمكين يتطلّب توافقات وتنازلات و»كرّا وفرّا، وصبرا جميلا. وبناء على ذلك فإنّ إخراج النهضة من اللعبة السياسية كان دليلا واضحا في نظر الجهاديين، على صحّة موقفهم المتعلّق برفض الديمقراطية. يقول أبو العبد أشداء قائد «تنسيقية الجهاد» السورية ساخرا: «ديمقراطية بدماء حمراء. انقلاب في تونس. انقلاب في مصر. انقلاب [الزعيم الليبي القوي خليفة] حفتر. هل هذه تُعتبر ديمقراطية؟» ويقول مساعد أبو قتادة الفلسطيني، أبو محمود الفلسطيني مدافعا عن خيار الجهاد بعد الأحداث في تونس: «لن يحدث أي تغيير من دون تدخّل قوّة فعّالة تفكّك مفاصل الدولة الخفية وتقوّض ركائزها. ولا يمكن لمسار الديمقراطية أن يؤدي إلى حكم الشريعة وبناء دولة إسلامية».
أمّا الخطيب الإدريسي الذي غادر تونس لينتمي إلى «هيئة تحرير الشام» بسوريا فإنّه يحمّل حزب النهضة مسؤولية «إفشال الثورة» لأنّها لم تطهّر البلاد من العناصر الفاسدة من سياسيين وإعلاميين وغيرهم وتواطأت معهم. «يقول مدافعا عن خيار الجهاد: «إنّ نجاح «هيئة تحرير الشام» وحركة طالبان يدعو الأمة إلى إعادة التفكير في الحركات الجهادية المعتدلة التي أثبتت حنكتها السياسية والعسكرية في إدارة النزاع وإرساء وجودها وانتزاع الحرية من براثن الأشرار».
تختلف المواقع والسبل بين الرئيس سعيّد وقيادات حزب النهضة ولكنّ الجهاديين يضعونهم في نفس المركب فهم «الطواغيت»: فالنهضاويون لم يطبّقوا شرع الله وفتحوا الباب على مصراعية للـ«كفار» والمفسدين والمارقين والملحدين،... و«سعيّد» الذي رأت القاعدة أنّه قد يكون «على الطريق الصحيحة» لم يكن صاحب جرأة ففوّت على البلاد فرصة أن تحكم بأمر الله فكان هو أيضا الطاغوت. ومهما يكن الأمر فالتيارات الجهادية تتخذ من مسار 25 جويلية حجّة على ضرورة استئناف الجهاد انطلاقا من الدولة الإسلامية: أفغانستان بعد أن خذلهم «الإخوان العلمانيون».
مواقف القيادات «الجهادية» من «خروج » النهضة من الحكم
- بقلم امال قرامي
- 09:25 16/09/2021
- 1226 عدد المشاهدات
تتجّه الأنظار منذ 25 جويلية الفارط، نحو رصد مواقف زعماء الدول الغربية وممثلي الاتحاد الأوروبي وغيرهم من الأحداث الأخيرة في تونس،