لقد لاقت إجراءات 25 جويلية تجاوبا شعبيا واسعا وذلك بغض النظر عن تقييم وتوصيف ما حصل في حدّ ذاته في علاقته بالقراءة النزيهة للدستور.. وهذا التجاوب الشعبي الواسع أعطى نوعا من الضوء الأخضر للرئاسة للشروع في بداية الإصلاحات ،ولكن التردد والتوسع في استعمال مشهدية المداهمات واعتباطية الإقامة الجبرية والمنع من السفر مع غياب حكومة تتصدى للعاجل وتخطط للتصرف في الاستحقاقات القادمة ثم السعي العشوائي وغير المدروس لتعديل الدستور أو حتى تعليقه كل هذا بصدد تحويل لحظة التفاؤل إلى قلق متصاعد لدى قطاعات واسعة في البلاد ولدى جلّ شركائنا الأجانب كذلك.
سبب هذه الحيرة لا يعود فقط إلى بطء تشكيل الحكومة بل إلى التساؤل حول حقيقة النوايا الرئاسية وحول الهدف من كل ما حصل، هل هو فقط لمقاومة الفساد المتدثر بلبوس السياسة أم لتغيير هندسة الحكم ولتوفير شروط استدامة الرئاسة لقيس سعيد مع القضاء أو إضعاف كامل الطبقة السياسية الحاكمة منها والمعارضة زمن حكومة المشيشي وكذلك تهميش دور المنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني وكافة وسائل الإعلام الوطنية العمومي منها والخاص؟!
الواضح أن كافة بيانات وتصريحات الرئاسة خلال هذه الأسابيع الثلاثة الأخيرة أي منذ تمديد العمل بالتدابير الاستثنائية «الى حين إشعار آخر» عمقت هذه المخاوف لا فقط عند خصوم الرئيس بل حتى عند من كانوا من أهم أنصاره ومؤيديه..
في المقابل تبدو الرئاسة كذلك في مأزق حقيقي في الملفين الأكثر أهمية اليوم: تعيين رئيس حكومة مع فريق وزاري متكامل وتغيير التنظيم الحالي للسلطة السياسية.
يبدو أن الرئيس متردد في الحسم بين خيارين متناقضين : الذهاب إلى الأمام في تحقيق مشروعه بالاعتماد على أنصاره والموالين له غير عابىء بالانتقادات الداخلية والخارجية او التقدم بتؤدة بالاعتماد على كفاءات مستقلة وإصلاحات جزئية لا تقلب المعادلة المؤسساتية رأسا على عقب..
وكلا الطريقين محفوفين بالمخاطر بالنسبة لرئيس الدولة فإما المغامرة والقفز نحو المجهول وتعريض البلاد تبعا لذلك إلى هزات مالية واقتصادية واجتماعية لا قبل لها بها ويتحول ذلك التأييد الواسع إلى انتقد جارف، أو اتباع طريق حذرة والتقدم خطوة خطوة فلا يقنع بذلك لا الأنصار المتحمسون ولا الخصوم المرتابون.
ما بات واضحا اليوم هو أن المستقبل السياسي لرئيس الدولة سيكتب خلال الأيام والأسابيع القادمة.