17 يوم مرت من الفترة الاستثنائية: في ضرورة أن يلتقي زمن الرئيس مع زمن البلاد

يبدو اننا في تونس نعيش على وقع زمنيين. في ظاهرهما متصلين ومتواصلين ولكن بالتمعن فيهما يتضح انهما متناقضان. زمن رئاسة الجمهورية

وهو زمن سياسي متثاقل مطمئن لا يغير نسق خطاه. وزمن البلاد واكراهاتها المالية والاقتصادية التي تؤذن بنفاد الفسحة وفوات زمن الانقاذ والنجاة.
فرئاسة الجمهورية لا تزال تعتبر ان «الوقت المناسب» لم يحن أوانه بعد للإعلان عن خارطة الطريق وتقديم هوية رئيس الحكومة او الوزير الأول. وفق ما سيقع رسمه في الخارطة. وذلك رغم انقضاء 17 يوما منذ ان فعّل الرئيس الفصل 80 من الدستور وفق قراءة توسعية تمكنه من تعليق اشغال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.
خيار لجأت اليه الرئاسة وبررته بأنه لإنقاذ وحدة البلاد ووجودها الذي يفترض اقرار تدابير وإجراءات في سياق فترة استثنائية. كان يفترض وفق مضمون الفقرة التي لجأ اليها الرئيس من الفصل 80 ان تكون واضحة وان يقع الاعلان عنها للشعب.
لكن 408 ساعات مرت ولم تتضح الصورة بعد، الى اين يمضى الرئيس والى اين يحمل البلاد معه؟ والى متى ستستمر هذه الفترة الاستثنائية؟ وهل سيقع الانتقال من الاستثنائي الى الطبيعي ام الى الانتقالي؟ وكيف سيكون هذا الانتقال ومع من؟.
عشرات الاسئلة التي لا تقدم الرئاسة اية اجابة عنها، باستثناء خروج المستشار الدبلوماسي برئاسة الجمهورية وليد حجام ليعلن ان هذا سيقدم للتونسيين في الوقت المناسب مع الاشارة الى ان موعد ذلك قريب دون تحديد هل هي مسألة ساعات او ايام والخشية ان تكون اكثر.
لا اجابات تقدم للتونسيين الذين باتوا يتلقون معلوماتهم ومعطياتهم مما ينشر في بلاغات مؤسسات اجنبية، والقصد بلاغات رئاسة الجمهورية الجزائرية او تصريحات رئيسها عبد المجيد تبون، وأيضا تصريحات ومنشورات الرئاسة الفرنسية اللتين تحدثتا عن ان الرئيس سعيد اكد لنظيره ان لديه خارطة طريق سيقع تقديمها في القريب.
هذا فقط ما يقدم من معطيات واضحة وصريحة، اما البقية فهي مؤشرات وتسريبات من الدوائر المقربة من القصر التي تتحدث عن ان الرئيس لن يتاخر اكثر مما فعل وانه سيتقدم خلال أيام معدودات بخارطة الطريق وسيقدم هوية رئيس حكومته القادمة.
كل هذا قد يكون مقبولا أو معقولا في اطار تنظيم الرئاسة للبيت الداخلي والاستعداد لإدارة المرحلة بعد توحيد مؤسسات الدولة وأجهزتها تحت سلطة تنفيذية وحيدة ووضع حد للتداخل والاختراق الذي اصاب جل مؤسسات الدولة التنفيذية واجهزتها.
لكن زمن البلاد ليس سياسيا فقط بل هو اجتماعي واقتصادي ومالي، وتمدد الاجال وتأني الرئاسة في الخروج وتقديم تصورها وخارطة الطريق التي ستدار بها المرحلة القادمة يلقى بثقله «وضبابه» على هذه الملفات التي لا توفر لمن يريد ادارتها بشكل ناجح هامشا من الوقت.
فالمزاح العام الذي تلقف قرارات الرئيس باحتفالية وفرح تجدد بنجاح اليوم الوطني للتلقيح المكثف في 8 اوت الجاري، لا يمكن ان يستمر في «حالة الفرح» الى ما لا نهاية. اي انه لن يستطيع صبرا مع الرئيس ليعلم الى اين تتجه الاوضاع على المدى القريب والمتوسط.
تململ الشارع وانتقاله من الفرح الى «التوتر» والخشية هي النتيجة التي سنصل اليها في استمرار حالة الغموض وعدم وجود خطط واضحة محددة الاركان والمواقيت، وهذا سيتقاطع مع وضعية مالية صعبة تعيشها الباد التونسية قد تؤثر على قدرتها في ادارة الحياة اليومية للتونسيين مهما حرص الرئيس وابدى من جهد لتفادي ذلك.
فالبلاد وان تمكنت بمعجزة ما من تجاوز عقبة عجز ميزانية 2021 الذي سيتجاوز سقف 22 مليار دينار بخيارات أقل ما يقال عنها انها مقامرة خطرة، ستكون امام حتمية التوازنات المالية المختلة في ميزانية 2022. وهذا قد يجبرها على خيارات صعبة وغير شعبية بالمرة قد تعصف بالسلم الاجتماعي. وهذه لم تعد فرضية نظرية بل هي سيناريو محتمل إذا استمر تثاقل خطوات الرئيس.
هذا ما قد يحدث إذا استمرت القطيعة بين زمن الرئيس وزمن البلاد، ولا سبيل للخروج من هذه المأزق الا بتوحد الزمنين الذي لن يتم دون ان يعلن الرئيس عن تصوراته ومشروع السياسي لادارة المرحلة الاستثنائية والمراحل التي تليها. واول خطوة في عملية توحيد الازمنة هي تقديم هوية رئيس الحكومة او الوزير الاول.
فالداخل والخارج، والقصد هنا ان الفاعليين الاقتصاديين في الداخل والمؤسسات المالية والصناديق الدولية تنتظر هذه الخطوة لتحديد كيفية التفاعل ومداه. اي كيف ستقدم العون لتونس لتجاوز ازمتها المالية الراهنة وكيفية الخروج من ازماتها الهيكلية التي لن تتم دون اصلاحات لها تكلفة باهظة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115