مع هذه البلدان التي انفلتت من نظام التمثلات القديم (بلدان العالم الثالث، بلدان فقيرة عجزت عن تحقيق التنمية...). وبينما حاول البعض فهم ما حدث وتحليل هذه الديناميكية الجديدة في التجربة التونسية من منطلق إرادة المعرفة وإرادة الفهم حرصت جهات أخرى على فرض رؤيتها من الخارج ، مصرّة على أن تكون في المركز بدعوى أنّها تملك أدوات التحليل و«التنظير» وما حدث ليس إلاّ دليلا على دخول تونس في مرحلة «ما بعد الديمقراطية' لأنّها أزاحت لاعبا أساسيّا في مسار بناء الديمقراطية. ولعلّنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ أصحاب الرؤية من الخارج ضمن هذه الدوائر السياسية-الأيديولوجية يعيدون إنتاج الرؤية الاستشراقية والتصوّر الكولونيالي وكأنّه لا يسمح للتونسيين/ات أن يحلّلوا واقعهم وأن يصوغوا تاريخهم بعيدا عن التوجيهات «الأجنبية» والتعليمات فـ«التابع» من وجهة نظر هؤلاء، غربيين ومشارقة لا يمكن أن يستعمل عدّة منهجية من «خارج الصندوق» out of the box وأن يقرّر مصيره دون الاتكال على «المنظرّين» الكبار.
ويرى أغلب المحتفين بـ«عودة الحياة» أنّ السياق يتطلّب إطلاق المبادرات وتوجيه النصح للرئيس، والتسريع بتقديم المطالب وطرح «البدائل» وعرض تصوّرات لخارطة الطريق. ولاشكّ عندنا أنّ هذه المحاولات بقطع النظر عن أهدافها المعلنة والمضمرة (التموقع سياسيّا، العودة إلى الصفوف الأمامية، التمكّن ...) تعدّ علامة صحيّة.
ولكن تهمّنا في هذا الصدد، الإشارة إلى بعض المسائل التي تستدعي إعادة النظر بعمق وإلاّ تحوّل الأمر إلى ثرثرة وضجيج من ذلك التفكّر في مفهوم الديمقراطية وتمثّلنا لها، فهل كانت الممارسات السياسية خلال هذه العشرية دالة على استيعاب فعليّ لروح الديمقراطية؟ثمّ لِم برزت توصيفات جديدة للديمقراطية أفصح عنها عدد من النواب «المجمّدين» كالديمقراطية السيئة والشكلانية وديمقراطية الصناديق المفرغة من المحتوى الأخلاقي والديمقراطية الشعبية القاعدية؟ وهل بقيت دلالات «النخبة» و»الطبقة السياسية»... ذات حمولة إيجابية أم أنّها أصبحت بلا معنى بعد هذا الأداء السيء؟ وما هي الوظائف المسندة إلى «الشارع» إذ كلّما عسر فضّ النزاع لجأت الجماعة إلى الاحتكام إلى الشارع؟ ولم صار تحريك المشاعر والعواطف ملازما للفعل السياسة؟ وما هي أسباب تنشيط الذاكرة (الفيديوهات المتداولة حول العشرية السوداء، الحرب الأهلية بلبنان...) واسترجاع أحداث (رابعة) وتوظيف «فزّاعات» (التيارات الجهادية ستتحرّك)؟ وما هو حظّ ممارسة النقد الذاتي في هذه اللحظة المفصلية، ومن سيبادر من الأحزاب والمنظمّات والقطاعات (العدل، التعليم، الصحة...) إلى القيام به؟ ثمّ ما هو تصوّرنا لمشروع الإصلاح الشامل؟ وكيف يمكننا استعادة الثقة في السياسيّين والقضاء والإعلام والهيئات الدستورية والنيابة العمومية بعد كشف المستور وظهور أمارات الفساد؟ وما هو فهمنا اليوم للعدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية والعدالة الجندرية؟
ويُضاف إلى كلّ ذلك التأمّل في نسق التمثيل فلم سيّجنا الفاعل السياسي وجعلناه إمّا في صورة «المنقذ» والمخلّص والزعيم أو الدكتاتور/المنقلب/المستبدّ؟ وما هي أسباب تخلّي النهضة عن استعمال المرجعية الدينيّة خلال هذه الأزمة ؟ وهل ستتحوّل إلى حزب سياسيّ مثلها مثل بقية الأحزاب بعد أن خف الحسّ الديني، ولم يعد يُنظر إليها على أنّها حارسة القيم الدينية والأخلاق والهوية؟ ولعلّ أهمّ سؤال هو سؤال الأخلاق وإيلاء المنظومة القيمية المنزلة التي تستحقها في مستوى التربية والتعليم والعمل السياسي والإعلامي والثقافي.. لاسيما بعد هذا السقوط الأخلاقي.
وليس المهمّ في تقديرنا، فتح ورش التفكير في إطار «الاستعراض» وعرض البضاعة المعرفية والخبرات والتنافس من أجل التموقع بطريقة انتهازية مبتذلة أو الركون إلى الشعبويّة بل إنّ السياق يفرض قلب الأدوار والإصغاء إلى الأجيال الجديدة التي نزلت إلى الشارع وتكبّدت مخاطر مواجهة القوات الأمنية وآمنت بالعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع بقطع النظر عن الجنس، واللون والعرق، والدين والفقر والميولات الجنسية، وغيرها.
تونس بعد 25 جويليّة وانطلاق ورشات التفكير
- بقلم امال قرامي
- 09:32 29/07/2021
- 1206 عدد المشاهدات
تحوّلت تونس خلال هذه الأيّام، إلى موضوع للبحث والتمحيص فسعت بعض مراكز البحث ومجموعات التفكير إلى استخلاص الدروس وتحديد طريقة التعامل