بعد تفعيل الفصل 80 وفق قراءة متوسعة: تونس والمخاطر الجديدة

بعد حوالي سنة من التهديد بصواريخ في منصاتها جاءت «اللحظة» فاخرج رئيس الدولة الفصل 80 وفق قراءته الخاصة حيث انتقى منه « الخطر الداهم»

و«التدابير الاستثنائية» ورمى بها رئيس الحكومة وحزامه البرلماني مدخلا بذلك البلاد في مرحلة جديدة وفق تصوره الخاص ،مرحلة يراد بها انهاء «المنظومة» والإتيان بأخرى..
هل اقدم رئيس الدولة على «انقلاب دستوري» ؟ أم أنه فقط توسع في تأويل صلاحياته بما يتجاوز فقط لفظ الدستور وروحه؟ الأساسي لا يكمن في التوصيف الشكلاني ولكن ما لا جدال فيه بأن «حركة 25 جويلية» لا تتمثل فقط في «إعفاء رئيس الحكومة « او «تجميد البرلمان» او حتى في «رئاسة النيابة العمومية» ..الأساسي فيما اقدم عليه رئيس الدولة هو سعيه لتغيير جذري لقواعد اللعبة السياسية دستوريا وقانونيا وواقعيا وإرساء حالة قارة تتجاوز كل الممكنات المفترضة في الحالة الاستثنائية التي جاءت في الفصل 80 من الدستور ..
لاشك لدينا ان هنالك ما قبل وما بعد 25 جويلية 2021 ولكن هذا المابعد مازال لم يتحدد بضفة نهائية ومازال خاضعا لجدالية الوجود والعدم فق موازين القوى الداخلية والخارجية.
يخطئ من يعتقد ان رئيس الدولة يملك لوحده كل مفاتيح اللعبة.. هو ولاشك اللاعب الأساسي فيها اليوم ولكنه لأنه اصبح كذلك فهو في قلب الإعصار اذ تحول بصفة فجئية من ناقد جذري للمنظومة من خارجها الى منظومة بالقوة بل الى «المنظومة» وبالتالي سيكون مسؤولا على كل ما سيحدث من تداعيات «حركة 25 جويلية».
ينطلق قيس سعيد بعناصر قوة لا يستهان بها أهمها لفظ عموم التونسيين للمنظومة التي حكمت البلاد خلال هذه العشرية والتي تمثل حركة النهضة عمودها الفقري ..
هذه المنظومة قد استنفدت أغراضها وما انتخاب قيس سعيد بتلك الكثافة في الدور الثاني للرئاسية في أكتوبر 2019 إلا دليل على نهايتها السياسية..
«التوافق» بين الاسلام السياسي وجزء من المنظومة القديمة من أجل تقاسم السلطة وامتيازاتها وريعها هو جوهر المنظومة التي لفظها التونسيون والتي عبّر عنها الشباب المحتج بذلك الشعار المركزي «الشعب فدّ فدّ من الطرابلسية الجدد». ومن هذه الناحية تكون «حركة 25 جويلية» اختصارا للزمن فقط ليس إلا..
وفي هذا الدور يحظى قيس سعيد بتأييد شعبي واسع لا غبار عليه ولكن هل يعني هذا أن التونسيين سيعطون صكا على بياض لمشروع الرئيس ؟ قطعا لا لأن الأهداف متباينة حتى لو التقت السبل اليوم بصفة مؤقتة ..
التونسيون الذين لفظوا منظومة «التوافق» يريدون بلادا أعدل وأقل فسادا ومستقبل افضل لهم ولأبنائهم. وجلّهم يريدون حاكما قويا من أجل تحقيق الإقلاع لا مستبدا جديدا قويا يرتوي من بحيرة نرجسيته كما انهم لا يعتبرون أن مشكلتهم الأساسية تتمثل في هذه الديمقراطية القاعدية \المركزية التي يحلم بها قيس سعيد ورفاقه ..
لكل ذلك تريد القوى الحية في البلاد ضمانات قوية حتى لا يتحول هذا التأويل المتعسف للفصل 80 إلى طريق معبدة لاستبداد جديد يحدّ من الحريات العامة والخاصة ولاسيما من حرية التعبير والصحافة والتنظم،كما لن يوافق احد على وضع اليد على القضاء حتى لو كان ذلك تحت راية مكافحة الفساد ،كما أن زمن الزعيم الملهم أو «المستبد العادل» الذي حلم به الانسان الشرقي قد ولى وانتهى ..
لقد خرجنا بالفعل على نص دستور 2014 مهما تأوّل المتزلفون ولكن الخروج عن روحه أي عن حزمة الحقوق والحريات التي تضمنها سيقضي على «حركة 25 جويلية» في المهد..
إن شرط نجاح ما اقدم عليه رئيس الجمهورية هو الا يؤدي لفظ المنظومة التي حكمت البلاد خلال عقد من الزمن الى وأد للديمقراطية والتشاركية وهذا يعني الخروج السريع من الإجراءات الاستثنائية وإعادة الكلمة الى الشعب في انتخابات عامة سابقة لأوانها رئاسية وتشريعية والا يحصل تغيير قواعد اللعبة بالمغالبة وبصفة انفرادية ..
الكرة اليوم ،بمخاطرها وآمالها،عند رئيس الجمهورية وبداية الأجوبة ستتضح خلال هذا الأسبوع الجاري.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115