حالة وبائية حرجة تنذر بقادم مرعب : الفرصة الاخيرة

تعلن كل السلطات في تونس ان البلاد في حالة حرب ضد "الوباء"، ولكن رغم ذلك تدار الامور كما لو ان الوضع طبيعي لا محدث فيه يستوجب التفكير

من خارج صندوق "البروقراطية " والاهم ان يقع استباق الاحداث لا انتظارها.

اليوم وأمام الارقام المفزعة لحالات الاصابة المؤكدة بعدوى فيروس الكورونا، واما تصاعد منحى العدوى وسرعة انتشارها التي باتت بمعدل 5844 حالة يوميا باحتساب الحالات المسجلة منذ 27 جوان الى غاية 6 من جويلية الجاري. لن يكون من المجدي اتباع ذات السياسات العامة بل ان الابقاء عليها والتشبث بها سيكون جريمة تقترفها الدولة ضد مواطنيها.
فالسياسات العمومية المتبعة اثبتت قصورها عن الاستباق وعن ألاستدراك فلا هي استبقت الامور وتحركت مبكرا لكسر حلقة العدوى حينما كان هذا ممكنا في نهاية شهر ماي وبداية شهر جوان الفارط، ولا هي تحركت لتفرض احترام الاجراءات الوقائية والبروتوكول الصحي. ولا هي استدركت حينما استشرت العدوى واتبعت اجراءات تساعد على احتواء الازمة.
تعثر ولخبطة وفوضى وعدم تنسيق بين مؤسسات ادولة وأجهزتها هيا ما اتسمت به السياسات العمومية في التعامل مع الجائحة سواء في التحكم في نسق انتشار العدوى او في الحملة الوطنية للتلقيح، ففي الملفين كان من الجلي الفشل الكلي للمقاربة التي اعتمدت من قبل الحكومة التونسية بالأساس.
فشل لم تعد الاولوية اليوم لتحديده او تحديد المسئولين عنه، فالأمر بديهي لا يحتاج لصرف الجهد والوقت يفضل ان يوجه اليوم لاحتواء الازمة وإنقاذ ارواح التونسيين وهذا ليزال ممكنا شريطة ان تنخرط فيه المؤسسات السياسية وكل اجهزة الدولة بشكل كلي دون الانشغال في حسابات الربح او بحث عن حسم صراعات سياسوية باتت اليوم اول عقبة امام الانقاذ.
والإنقاذ هنا ينطلق من ادراك ان البلاد لم يعد امامها الكثير من الخيارات لاحتواء ازمتها الصحية وانقاذ ارواح مواطنيها، فما ظل للدولة التونسية خيارين يمكن العمل عليها وصرف الوقت والجهد فيها للحد من الخسائر البشرية التي تتجه اليوم الى حاجز 16 الف وفاة ناجمة عن الوباء.
ما هو ممكن اليوم وضروري، ان يقع التركيز بشكل كلي على جلب اللقاحات بكميات هامة تمكن من تسريع وتيرة حملة التلقيح الوطنية.

وهنا المهمة والدور الابرز للدبلوماسية التونسية التي عليها ان تتحرك بشكل فوري ونشيط وان تفتح قنوات الاتصال بالدول الشقيقة او الصديقة وتقديم عروض لشراء لقاحات من الفائض الموجود لديها
اي المطلوب اليوم هو البحث عن شراء اللقاح من دول استكملت عملية التلقيح او قاربت على استكمالها ولها في مخزونها فائض في الجرعات. وهذا احدى المسارات التي تمضي بالتوازي مع تنشيط عملية الشراء المباشر من المصنعين والتفاوض معهم على تسريع عملية التسليم لخطورة الوضع الصحي في البلاد وعدم قدرتها على الانتظار.
هنا تبرز اهمية الدبلوماسية وضرورة ان تتحرك لتحقيق هذا الهدف والتركيز عليه بالعمل المكثف واحياء شبكات العلاقات والدفع باللوبيات الى دعم تونس ومطالبها في توفير اللقاح. سواء من الدول ان كان لديها فائض او من المصنعين لتسريع عملية تسليم اللقحات.
غير ان هذا محكوم بشرط اساسي وهو ان تتوجه الدولة التونسية ككيان واحد موحد وليس كإطراف سياسية يتصارع بعضها مع بعض ويصدر صورة سلبية عن البلاد ومن يدريها يمكنها ان تعقد الامور وتجعلها صعبة جدا.
اي ان المطلوب اليوم من الجميع وخاصة الرئيس والحكومة والبرلمان ان يقع توحيد الخطاب وان يكون للدولة التونسية صوت واحد تخاطب به العالم وليس اصوات متنافرة متناقضة تكيل لبعضها السباب والشتم .
هذا المسار المتعلق بجلب التلاقيح بإعداد ضخمة لتوفير الجرعات بإعداد كافية تساعد على الرفع من نسق عملية التلقيح وجعلها ميدانية، لن يكون هو الحل بمفرده بل يجب ان يقع الربط بين هذا المسار ومسار الاستعداد والتهيؤ لاستقبال المئات ان لم يكن الالاف من المرضى المحتملين في خلال جويلية واوت.
اي ان يقع الاستباق ورسم خطة واضحة ومحدد تتضمن تفاصيل دقيقة عن اين؟ ومتى وكيف ومن ؟

اين سيقع إواء الاعداد المحتلة للمرضى ومتى يقع الاحاطة بهم هل حينما يبلغون درجة الخطر ام قبلها؟ وكيف سيقع تقديم الرعاية لهم ومن سيقدم هذه الرعاية.
الاجابة عن كل هذه الاسئلة وغيرها المتعلقة بالإحاطة بالمرضى وتوفير رعاية صحية لهم ومرافقة سيجعلنا نحدد ما تحتاجه تونس من امكانيات ومعدات وهذا سيقع توفيره اما بالشراءات المباشرة او برفع القيود الادارية امام الحمالات التضامنية الوطنية لضمان سلاسة التزود بالمواد والاحتياجات دون خطر الوقوع في نقص او انقطاع.
هذا بدوره سيساعد على رسم خارطة بالمؤسسات الاستشفائية وتحديد طاقة الاستيعاب التي يجب ان يقع الترفيع فيها بإقامة مستشفيات ميدانية وتهيئة فضاءات للتعهد بالمرضى ووضع كل هذا في خارطة تمكن من توزيع المرضى بشكل سلسل وفعال بين المستشفيات.
مستشفيات ستكون في حادة الى طواقم طبية وشبه طبية وادارية، يجب منذ الان العمل على تعبئتها اما بالتعاقد او بالتنسيق مع المتطوعين وتوزيعهم وفق الاحتياجات المستعجلة والأساسية.
اي ان ما تبقى لنا كدولة ووطن لاحتواء الازمة والتقليص من الخسائر البشرية هو ان ندير الحرب بتنسيق واستباق لا ان نديرها بالخطاب والصراعات السياسية التي تحول دون ان ينخرط الجميع في المجهودات الوطنية لمجابهة الجائحة. مجهودات يمكنها اليوم ان تنظم وتدار بشكل فعال وعادل ينقذ ارواح التونسيين وينتشل البلاد من الذهاب الى سيناريوهات مرعبة يعم فيها الموت كل البيوت.

اليوم لم يعد هناك مجال للتناحر والاقتتال اليوم تونس في امس الحاجة لان تنتظم الصفوف وتتراص لخوض حربا لا يمكن ان تدار في ظل فوضى وتخبط، نحن في حاجة لغرفة عمليات تشرف على ادارة الحرب وتنسق بين الوزارات وتزيل العقبات الادارية والجومركية التي باتت سيف مسلطا على اعمار التونسيين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115