حالة وبائية كارثية وبهتة حكومية وشعبية حصيلة هذا الشهر الأخير 2141 وفاة - 2979 مرضى في المستشفيات والمصحات - 579 تحت العناية المركزة و132 تحت التنفس الاصطناعي لجوء محتمل إلى الحجر الصحي الشامل

سيكون شهر جوان الأكثر كارثية في هذه الجائحة التي ألمت بالعالم وبالبلاد.. وهو شهر سنحقق فيه كل الأرقام القياسية السلبية من عدد

الوفايات (قد تكون في حدود 2200 وفاة جديدة) مع وصول طاقة استيعاب المحتاجين إلى العناية المركزة إلى حدودها القصوى في جلّ الولايات وخاصة في الشمال وفي الوسط.. في المقابل مازالت وتيرة التلاقيح ضعيفة للغاية (دون ثلاثين ألف جرعة يومية) مع نسق تسجيل هزيل بعد ثلاثة أشهر ونصف من بداية التسجيل في منظومة «ايفاكس» إذ لم تشمل بعد حتى ربع التونسيين !
الحصيلة واضحة : الوباء يتفشي بسرعة متناهية خاصة بعد سيطرة السلالة البريطانية ودخول السلالة الهندية الخطيرة للغاية إلى بلادنا،وفي المقابل إخفاق جلّ الإجراءات المعلنة في تحويلها من قرارات إلى ممارسة محترمة من قبل غالبية المواطنين .
لقد تأخرت السلط العمومية في كل شيء : في تامين استجلاب التلاقيح بالأعداد الكافية ثم في القيام بعملية تسجيل تقليدية وغياب جدّي لحملات التوعية اليومية والواسعة كذلك للحملات الردعية المكثفة لفرض احترام البروتوكول الصحي في كل الفضاءات العامة والخاصة .
غني عن القول أن الأزمة السياسية الطفولية والعبثية التي تعصف بمؤسسات الدولة قد زادت الطين بلّة فأصابت البهتة كل مؤسسات الدولة واعتبر عدد كبير من مواطنينا أن الكورونا وراءنا وأصبحنا نعيش حالة تراجيدية من الاستهتار والتطبيع مع الموت .
لا وجود لحلّ سحري وذلك لا يكون إلا بالاحتياط الأقصى من كافة المواطنات والمواطنين على امتداد ساعات الليل والنهار ولفترة هامة إذ لن نحصل على المناعة بفضل التلقيح قبل الخريف القادم في أحسن الأحوال كما أن لمناعة «القطيع› كلفة بشرية لا طاقة لنا بها ..
لقد حاولت الحكومة منذ بداية الموجة الثانية في سبتمبر الماضي التوفيق بين البعدين الصحي والاقتصادي فلم توفق لا في هذا ولا في ذاك شروط التوفيق - إلى حدّ اليوم – أضحت مستحيلة ولن نتمكن من إنقاذ ما بقي من آلتنا الإنتاجية ما لم نحدّ من هذا الانتشار الجنوني للفيروس .
اذا لم نحزم أمرنا بكل جدّ اليوم قبل غد سنخسر كل شيء : الأرواح والأرزاق معا مع انهيار كلي لمنظومتنا الصحية وذلك بوجود صور بشعة لمرضى يحتاجون لعناية مركزة أو حتى سرير في المستشفيات أو المصحات الخاصة دون القدرة المادية لتوفيره وتوفير الحدّ الأدنى من العلاج يراعي حرمة المرضى والظروف الدنيا للممارسة الطبية.
يبدو أن الحكومة تفكر في اللجوء إلى حجر صحي شامل على المستوى الوطني ولكن هذا الحلّ الأقصى،والذي يفرض نفسه اليوم بكل قوة، لن يكون مجديا ما لم يكن تطبيقه صارما وما لم ترافقه حملات تحسيسية إعلامية وميدانية حتى ينضبط المواطنون، كل المواطنين إلى قرار كهذا..
التردد دائما هو أسوأ اختيار. الحدّ من انتشار الفيروس بكل الوسائل وبأقصاها هو الحلّ الوحيد الصحيح وكلفته المادية مهما علت تبقى زهيدة مقارنة بالنتائج المرجوة ..
لنفترض أن نصف العائلات التونسية ،أي مليون ونصف مليون عائلة،ستتضرر من أسبوعين من الحجر الصحي الشامل ولنفترض أن الدولة ستعوض لكل عائلة بحوالي 300 دينارا لنصف الشهر هذا، والنتيجة أننا سننفق اقل من نصف مليار دينار لإنقاذ صحة العباد مع حفظ حدّ أدنى من شروط الحياة المعقولة ..
أليس هذا هو الحلّ الأمثل والأنجع والأعدل ؟ !
قديما قالت العرب الحيلة في ترك الحيل،واليوم نقول كثرة الحسابات والتردد في القرارات لا يمكن لها أن تنتج سياسة عمومية ناجعة .
السياسة هي وضع الهدف الأكثر عقلانية ثم تسخير كل الإمكانيات لتحقيقه ،وهل من هدف أكثر عقلانية وإنسانية من حفظ حياة الناس وكرامتهم ؟
كفانا ترددات وبهتة !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115