قيس سعيد لا يؤمن بالديمقراطية التمثيلية وخاصة في شكلها البرلماني ونموذجه الهلامي – قبل ارتقائه إلى سدّة الحكم – هو ديمقراطية مباشرة تصعد من أسفل وتكون غاية في اللامركزية ،أما بعد انتخابه فقد أصبحت هذه اللامركزية خاصة فقط بالتمثيل النيابي أما السلطة التنفيذية فينبغي أن تكون ممركزة إلى أقصى حدّ وأن تكون كلها في يد رئيس الدولة، بل لا ينبغي للسلط الأخرى، التشريعية والقضائية ،أن تنافس سلطة الرئيس أو أن تعادلها..
لقد عمل قيس سعيد منذ انتخابه على تحطيم البنية الدستورية الحالية ودفعها نحو أزمتها الأخيرة بصدّه لكل محاولة بسط نفوذها تنفيذيا وتشريعيا،ولقد استغل هنا عاملين مساعدين :
• الصورة البائسة للبرلمان الحالي رئاسة وإدارة وأداء بما جعل من النظام البرلماني رديفا عند عموم التونسيين للمحاصصات الزبونية والحماية المتبادلة والإفلات من العقاب.
• غياب المحكمة الدستورية وفرض قراءة قصووية وتعسفية لصلاحياته الدستورية وخاصة في التشريع لحق الفيتو الذي لم يمنحه له الدستور والذي يجعله قادرا على رفض كل تسمية سامية في الدولة بدءا من الوزراء وتأويله لمفهوم «الختم» بصفة شبه دينية تجعل منه أساس التشريع لا مجرّد الإمضاء الشكلي التقني .
والأكيد أن الأزمات المعقدة التي تتخبط فيها البلاد قد وفرت فرصة سانحة لرئيس الدولة للتحول التدريجي من وضعية المعطّل الأساسي للمنظومة الدستورية الحالية إلى وضعية المقترح لمخارج الإصلاح وأولها وأساسها تغيير النظام السياسي الحالي إلى نظام مزدوج هو الآخر رئاسوي على مستوى السلطة التنفيذية ولا مركزي وتحت الضغط المستمر للناخبين (نظرية سحب الولاية) على مستوى السلطة التشريعية.
ما بين الإعلان على رؤوس أقلام عن هذا «الإصلاح» الذي يهدف إليه رئيس الدولة وبين القدرة إلى تحويله إلى واقع دستوري جديد يدشن به «الجمهورية الثالثة» هنالك أشواط وعقبات عديدة لا شيء يدل على قدرة الرئيس على تجاوزها كلّها.
أولى العقبات هي اضطرار قيس سعيد إلى توضيح مشروعه وتحويله إلى جمل وفقرات مفهومة من الجميع ومنتزع السرديات الأدبية والايهامات الإنشائية وعندها سيجد أن معسكر أنصاره سيتراجع بشكل كبير..لقد خسر قيس سعيد بصفة شبه كلية دعم حزب التيار الديمقراطي له والأكيد أن مواصلة وصفه للحوار الوطني الذي سبقه بأنه ليس حوارا وليس وطنيا سوف يجعله يخسر أيضا الاتحاد العام التونسي للشغل .. ثم بقدر ما سيزيد في توضيح مشروعه ستنفض عنه قوى كثيرة لا تريد أن تجازف بالبلاد ولا تريد أن تدفعها نحو تجربة يحكمها رئيس شعبوي يمدد باستمرار في صلاحياته ولجان شعبية تبارك كل خطواته..
إن الذين يشاركون الرئيس اليوم في رغبته في تغيير النظام السياسي إنما يريدون نظاما رئاسيا «تقليديا» لا مدخلا لجماهيرية غير معلومة التضاريس .
ولكن التحدي الأكبر لمشروع قيس سعيد هو دعوته الواضحة للخروج من المسار الدستوري ،وهذا ما لن تقبل به مطلقا الأغلبية البرلمانية وفي هذه الحالة لن تكون هنالك مقبولية دولية لفرض خروج عن الدستور بالمغالبة لأننا سنكون أمام العالم في وضعية انقلاب ما على الشرعية الدستورية والانتخابية ولو كان الرئيس هو الداعي إلى هذا ولو كانت شرعيته ليست محل جدال أو خلاف ..
كيف سيتصرف المدعوون للحوار مع رئيس الجمهورية من رؤساء حكومات سابقين وغدا من شخصيات وطنية ومنظمات اجتماعية وربما أحزاب سياسية؟ هل سيعمدون إلى نهج المداراة والكلام المعسول والترحاب الظاهري حتى لا يرموا في «قمامة التاريخ» أم سينهجون نهجا جديا بمطالبة رئيس الدولة بالتوضيح التام والكلي لكل ما يريد؟
وفق اختيارات تكتيك التصرف مع دعوة رئيس الدولة ستطول فترة هذا «الحوار التمهيدي» أو ستقصر أو ربّما ستقبر.
في الأثناء ما الذي نفعله لمعاجلة الأزمات المتفاقمة التي تهدد البلاد ؟
يبدو ان هذا السؤال غير جدير باهتمام صاحب قرطاج ولا أنصاره المتحمسين ..
في الأثناء تواصل البلاد غرقها البطيء..
بعد أن بدأت تتضح رؤيته لما يريد: قيس سعيّد والقفز نحو المجهول !
- بقلم زياد كريشان
- 09:17 17/06/2021
- 1590 عدد المشاهدات
يمكن أن نلوم قيس سعيد عن كل شيء إلا في انسجامه العام( النسبي لا محالة) مع ما الذي يريده...