قبــــــل التعفّــــــن !

في تونس لم يعد يجادل أحد في أننا أمام نهاية وشيكة لمرحلة كاملة ..

نقول مرحلة ولا نقول منظومة لأن المرحلة أهم وأوسع بكثير من منظومة وكذلك لأن مصطلح منظومة قد يوحي بأننا إزاء نهاية الآخر / المنافس..بينما تفيد «المرحلة» أن الجميع معنيون بها وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
ما الذي أوصلنا إلى هذا الشعور الجماعي بالإخفاق ؟ نخبة سياسية تتقاذفها الأهواء الإيديولوجية ولا خبرة لها بأساسيات تسيير الدولة؟ أم عدم القدرة على رسم أولويات الإصلاح الضروري للبلاد؟ أم استضعاف الدولة وابتزازها المستمر من كل «قبائل» تونس المتصارعة فيما بينها والمتكتلة معا من أجل تحقيق مصالح فئوية ضدّ الصالح العام؟ أم مرويات وهمية وحروب دونكيشوتية ؟
كل هذا -ولاشك- وغيره كثير، كذلك عدم اعتراف كل من تحمل مسؤولية في هذه البلاد بفشله أو تقصيره والتنصل من تبعات السياسات الكارثية التي تم انتهاجها ..
الحقيقة دوما معقدة ومن أيسر الأمور – وأخطرها في آن واحد – محاولة تحميل كل هذا الفشل الجماعي لفكرة واحدة أو لجهة وحدة ،فالبحث عن كبش فداء نزوع أنساني منذ فجر التاريخ ولكن وحدها الأمم التي تدرك تعقيدات الأوضاع وضرورة تجاوز الكبوات بدل من التلذذ بالغرق فيها هي التي تنظر إلى ما فعلت وتفعل بعين ناقدة وتذهب مباشرة إلى البناء والمراكمة ..
لقد عشنا خلال هذه العشرية حركة رقّاص تذهب من الأقصى إلى الأقصى: في البداية النظام القديم هو المسؤول الوحيد عن كل مآسينا أما اليوم فالحكام الجدد،وعلى رأسهم حركة النهضة،هم المسؤولون لوحدهم على كل هذه الأحلام الموؤودة .
ثم يذهب هذا الرقاص اليوم في اتجاهين متناقضين : الأول،وهو اتجاهه الطبيعي،العودة إلى القديم والتوبة من التمرد عليه لأن من كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر،والثاني في تمرّد مزدوج على القديم وعلى الحاضر باعتبارهما شريكين في الكارثة ولا يوجد حبل النجاة الا في الهروب المزدوج من الانجذاب إليهما .
أيا يكن من أمر فوضع البلاد في تدهور مستمر نتيجة حركة الرقاص المجنونة هذه بين أقطاب ثلاثة تتنافى قطبين قطبين ولا تقف في منطقة رمادية تكون قابلة لتسوية مرضية بل مازال ينتاب هذه الأقطاب الثلاثة شعور مغرور بالقدرة على الحسم من جانب واحد وأن ساعة الفوز النهائي قد أتت وأن النصر قد بات على مرمى حجر..
عندما تحدثنا عن نهاية مرحلة فإننا قصدنا نهاية هذه «الرقصة» الثلاثية المتنافية والتي لم تصل بعد إلى مرحلة الحسم الموهومة .
ولكن هذه المرحلة هي في ذات الوقت في بدايتها ونهايتها..هي في بدايتها لأنها لم تنتج بعد كل ممكناتها التاريخية من حرب أهلية باردة، إلى التدخلات الأجنبية السافرة والى الشلل التام للدولة ولكنها في نهايتها أيضا لأن مجرد الشعور العام بخطر هذه المرحلة قد يئدها في مهدها.
أهم القوى السياسية في البلاد بصدد الاستعداد للفرز النهائي وهي تحشد أنصارها وتشحذ أسلحتها وكل واحد منها يعتقد أن انتصاره الكلي هو شرط إمكان إنقاذ البلاد ونهوضها ..
نحن أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما : إما أن نذهب في هذه «الرقصة» الثلاثية المجنونة إلى نهاياتها المحتومة مع كل المخاطر والتهديدات التي تحملها لنا أو أن نقلع عن رياضة صناعة الأعداء في الداخل وأن نبدأ معا في إصلاح أوضاعنا وتغيير واقعنا اليومي وترميم جسور الثقة بيننا وان نوجه كل طاقاتنا لبناء حلم مشترك بدلا من التهديم المتبادل..
التاريخ لم يكتب بعد وممكناته مازالت مفتوحة ولكننا بصدد التضييق عليها بوما بعد آخر .
الوقت هو ثروتنا الأساسية الناضبة ونحن بصدد هدرها دون حساب ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115