في نقطة تجاوز الازمة المالية، او بعبارات ادق تجنب اعلان افلاس البلاد في الاشهر القليلة القادمة بتعبئة موارد مالية عاجلة في انتظار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
هذا السؤال يحرك الفاعلين السياسيين اليوم ويقود الدبلوماسية التونسية. وفي هذا السياق تندرج زيارة رئيس الحكومة هشام المشيشي الى دولة قطر وايضا استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد لرئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي.
فالقائمين على الجهاز التنفيذي، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، يدرك كل منهما اليوم ان البلاد على مشارف اعلان افلاسها وأنها غير قادرة على انتظار اتفاق مع صندوق النقد الدولي كشرط اساسي للخروج للسوق المالية وتعبئة الموارد اللازمة للإيفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية. وعليه فإنها تعول على «اصدقائها» لتعبئة موارد مالية بشكل عاجل لا يتجاوز شهر جوان القادم.
الادراك هو ما يفسر التحركات الدبلوماسية الراهنة والتعويل على كل من ليبيا وقطر لتعبئة موارد مالية، سواء كوديعة في البنك المركزي أوإمضاء اتفاقات تعاون اقتصادي واستثمارات او قروض وهبات عاجلة.
فخلال زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي الى تونس حرص الرجل على ان يعلن عن دعم بلاده بقوله «يمكننا جنبا إلى جنب مواجهة التحديات القائمة والتغلب عليها» في اشارة صريحة وواضحة إلى أنه سواء في زيارة سعيد او -المشيشي الى ليبيا- كان ملف تعبئة الموارد المالية مطروحا على الطاولة وتم الاتفاق على ان تقدم ليبيا 1 مليار دولار كوديعة.
ملف تعبئة الموارد يبدو انه بات يتنقل مع جل الوفود التونسية التي تغادر البلاد في زيارات رسمية او غير رسمية على غرار ما قام به راشد الغنوشي في اخر زيارة له الى قطر والتي يبدو انها مهدت لزيارة هشام المشيشي رئيس الحكومة الى الدولة الخليجية والتي انطلقت مساء الجمعة الفارط.
زيارة تم التكتم عليها وكشفتها برقية لوكالة الأنباء القطرية اعلنت فيها ان المشيشي حل ركبه في ساعة متأخرة من مساء أمس الجمعة بالدوحة في زيارة للبلاد، دون تقديم تفاصيل اكثر او جدول اعمال الزيارة. وهذه النقيصة اجاب عنها رياض الشعيبي المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي.
فالشعيبي اعلن ان زيارة رئيس الحكومة إلى قطر تهدف الى تجسيد نتائج الزيارة الخاصة التي قام بها الغنوشي. واتفق فيها مع السلطات القطرية على تمكين تونس من 2 مليار دولار في شكل قرض ووديعة بنسبة فائدة ضعيفة. كما ان قطر تتجه الى تنظيم منتدى دولي للاستثمار في تونس سيوفّر 25 مليار دولار على مدى خمس سنوات وفق قول الشعيبي.
تطورات تكشف عن حقيقة وضع المالية وعن استيعاب الفاعلين السياسيين لحرج الوضع وضرورة التحرك السريع لعل في ذلك فرصة للإنقاذ. ولكن اللافت في التحركات الدبلوماسية الاخيرة أنها تخفي صراعا اخر بين مؤسسات الدولة.
صراع لا يتعلق بمن له صلاحية ادارة الشأن الدبلوماسي ورسم السياسية الخارجية للبلاد. بل بات صراع من ينجح قبل غيره في تعبئة موارد مالية. وهذا ما تكشفه تدوينة الشعيبي التي حرصت على ان تبرز دور رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في جهود تعبئة الموارد المالية ومحاولات انقاذ الوضع في البلاد.
كل الخشية اليوم ان تقع البلاد اسيرة في صراع «الذوات المتضخمة» حيث يبحث كل منهما عن تسجيل نقاط سياسية مخاطرين بوأد كل محاولات الإنقاذ المتأخرة، ومنها محاولة استثمار العلاقات الجيدة لتونس مع دول «شقيقة وصديقة « لتوفير دعم مالي عاجل.
خطر يبرزه التسابق للعب الدور الرئيسي في الانقاذ وتعبئة الموارد. ويغيب عنه ان البلاد وان تجنبت السقوط في جوان فأنها لن تستمر طويلا في ظل ازمات متشعبة ومركبة. وان الامل الوحيد لتجاوز ما نحن فيه هو ان تعالج ازمتها السياسية وان ترسم خطة انقاذ شجاعة تمنح عبرها الامل للتونسيين.
جهود دبلوماسية لتعبئة موارد مالية: صراع جديد بين مؤسسات الدولة...متى سنستفيق ؟
- بقلم حسان العيادي
- 11:13 31/05/2021
- 1073 عدد المشاهدات
السؤال اليوم في تونس هو التالي: كيف يمكن انقاذ البلاد وقد حرص الجميع على القفز الى الهاوية. والإنقاذ هنا يقف عند البعض