ضرب من الترف اللغوي أو محاولة لتجنب القول الصريح بأننا لم نعد مهددين بالخطر بل بتنا في خطر كان ماثلا للعيان منذ فترة كانت بعنوان تفكك الدولة تحت وقع التناحر وحرب الكل ضد الكل والتي أنهكت تونس بصراعات سياسية وأزمة اقتصادية وارتفاع للمطلبية الشعبوية والاجتماعية في ظل خطابات شعبوية تقدم الدولة على أنها غنيمة وليست كيانا موحدا يحمي مصالح تونس والتونسيين وتدار في أطره الصراعات والخلافات السياسية.
دولة اختتمت شهرها الرابع في أزمة سياسية عنوانها التحوير الوزاري والتي أدت إلى قطيعة كلية بين مؤسساتها السياسية: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وتعمقت بمحاولات تورط الإدارة وأجهزة الدولة في الصراع والتي باتت اليوم بمثابة الطوائف التي يراد جعلها طوائف يشترى ولاؤها لهذه المؤسسة أو تلك ولعل في صراع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول من يشرف على الأجهزة الأمنية خير دليل عن حدة حرب الصلاحيات والمواقع ،حرب ظن البعض أنها لن تؤثر على العمل اليومي للجهاز الإداري للدولة أو أنها لم تصبح وسيلة للقطاعات لفرض مصالحها الخاصة «الفئوية الضيقة» على حساب مصالح المجموعة العامة وهنا يمكننا النظر لا فقط إلى إضراب أعوان القباضة المالية بل إلى كل الإضرابات التي شنت خاصة في ظل حكومة المشيشي كإضراب القضاة مثلا لنقف على حجم الخطيئة التي ارتكبها السياسيون في البلاد ألا وهي هدم كل المشترك عوضا عن بنائه .
تونس اليوم بمثابة دويلات لا دولة واحدة ذلك أن القطاعات تتصرف لا باعتبارها جزءا من الدولة التونسية أو كتونسيين يتقاسمون معنا فضاء مشتركا ومصالح مشتركة بل كفئة تحارب الآخرين من أجل افتكاك مواقع ومصالح ومكاسب انتقلت إليهم من السياسيين. فالذين رسخوا ثقافة التناحر والذهاب إلى الأقصى حتى وإن كان الثمن تقسيم الدولة ووضع مصالحنا كشعب على المحك هم السياسيون الذين لم ينضج عقلهم ليدرك المباح والمسموح في العمل السياسي والممنوع والمحرم فيه.
نقول قولنا هذا لا لنعلن أننا انهرنا كدولة ذلك أن عملية الانهيار مركبة وتمتد على زمن في مثل سياقاتنا الحالية، ولكننا نقول هذا ليدرك الجميع أننا بتنا في الخطر الفعلي أي أننا لا نمتلك الوقت ولا رفاهة التقاتل والتناحر السياسي وما علينا اليوم إلا الإقرار صراحة بأننا نشترك في المصير وعليه فلا سبيل لنا إلا الخلاص الجماعي أي أن الحل ليس وصفة جاهزة تقدم ولا معادلة رياضية تخضع لها العناصر بل هو مجهود جماعي ينطلق من إدراك أن لا مستقبل لنا ولا حاضر إذا لم ننجح في توسيع دائرة المشترك وفي توحيد أجهزة الدولة وسياساتها دون أن يعني هذا أننا ندعو إلى أن تكون هناك أرضية واحدة ومروية واحدة بل إلى أن ينظر إلى الأمر كحقيقة. هناك ملفات غير قابلة لمثل الصراعات والتجاذبات الحزبية الضيقة وهناك أولويات وضرورات تعالج بها المطلبية الاجتماعية.
مناخات سياسية متعفنة، أزمة اقتصادية واحتقان اجتماعي: تونس ...دويلات وطوائف
- بقلم حسان العيادي
- 11:23 24/05/2021
- 965 عدد المشاهدات
البحث عن مقدمات أو تمهيدا للقول بأن تونس خطت خلال الفترة الأخيرة أولى خطواتها من مسار دولة موحدة إلى دويلات وطوائف