«اللاحرب واللاسلم» بين الحركة الإسلامية وصاحب قرطاج والذي كان في ماض قريب مرشحها في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية ..
في الحقيقة لم يكن قيس سعيد ولو يوما واحدا حليف حركة النهضة ولكنه لم يكن يعاديها كذلك ولم تتعكر العلاقة بين الاثنين إلا بعد وصول صاحب «الحملة التفسيرية» إلى سدة الحكم بما يدل بوضوح بأن الصراع الجاري بينهما إنما هو على السلطة وعلى التفرد بها دون ان يعني ذلك غياب التمايز الإيديولوجي بين المشروعين حتى لو كانت بينهما نقاط التقاء مهمة في المحافظة الاجتماعية .
إشهار «الحرب» بين رئيس الدولة والحركة الإسلامية مازال يكتسي طابعا خطابيا وسياسيا ولكن المرور من القول إلى الفعل لم يعد بالبعيد.
اعتقادنا أن حركة النهضة قد تجنبت ما أمكن لها ذلك هذا العداء المفتوح وذلك خوفا من تمدد الجبهات ضدها فهي قد قاست كثيرا من الضربات الموجعة للدستوري الحرّ ولزعيمته عبير موسي كما أنها باتت الهدف المفضل للغالبية الساحقة من القوى السياسية والاجتماعية في البلاد وكل هذا أجلّ إلى حدّ ما المواجهة المفتوحة مع الرئاسة ..
ولكن قيس سعيد قد اختار أن يكثف من انتقاداته ومن صواريخه ضد الحركة الإسلامية خاصة منذ 9 أفريل الجاري وهذه المرة تصريحا لا تلميحا وبنزعة هجومية تصاعدية هدفها تضييق الخناق ودفع المنافس إلى الخطإ .
ولكن يجد رئيس الدولة نفسه اليوم في وضعية ليست مريحة تماما لأنه أضحى مجبرا على ربط القول بالفعل وهذا ما كان دوما يتحاشاه إلى حدّ اليوم ..
ما عساها تكون الخطوة العملية المقبلة لقيس سعيد ؟ إعفاءات لولاة ولمسؤولين أمنيين بحجة كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية وبأن منصب الوالي منصب أمني بامتياز ؟.إعطاء أوامر لبعض أسلاك الأمن بإلقاء القبض على بعض القيادات النهضوية خاصة تلك التي لا تتمتع بحصانة برلمانية ؟ هذه الخطوات – أو غيرها – كما ترون خطيرة للغاية وإجراءاتها القانونية مشكوك في وجاهتها إن لم نقل بأنها منافية للقوانين والتراتيب الساري بها العمل ..ولكن لو لم يقرن قيس سعيد القول بالفعل فسيؤكد ذلك انه رئيس لا يملك سوى الخطابة وكل صواريخه من ورق ..
ثم هاهو قد وضع نفسه اليوم أمام منافس عنيد ونقصد به عبير موسي زعيمة الدستوري الحر والتي تستحثه على ترجمة عملية وراديكالية لتهديداته وان يطبق «القانون» على «الإخوان» وإلا فستكون أول من يتهمه بالعجز والمناورة وستقول عنه، ما قاله عبد الله القصيمي في العرب ، انه ظاهرة صوتية ليس إلا ..
تبدو حركة النهضة اليوم في أسوإ حالاتها،فمعاركها الحالية عديدة وأعداؤها شرسون وكل حروبها حروب وجود لا حروب حدود ..
تملك حركة النهضة ولاشك أغلبية نسبية في البرلمان وهي المتحكمة اليوم سياسيا في الحكومة ولكن هذه المكاسب هشة وقدرتها على الاحتواء قد تراجعت كثيرا بل هي لا يمكنها أن تضمن بصفة نهائية أغلبية البرلمان ولا رئاسة رئيسها لمجلس نواب الشعب، كما أن دعمها الكلي لحكومة المشيشي لن يجلب لها شعبية إضافية رغم انه يوفر لها اليوم هامشا لا يستهان به للمناورة السياسية ..ولكنها تدرك أنها أضحت اليوم معزولة إلى حدّ بعيد وأن المزاج العام التونسي يريد أن يرى اليوم قبل الغد نهاية حكمها للبلاد ..
تسعى اليوم الحركة الإسلامية إلى فكّ عزلتها والبحث عن حلفاء جدد : التيار الديمقراطي أو حركة الشعب أو الاتحاد العام التونسي للشغل في سعي لبناء «كتلة تاريخية» جديدة ضدّ ما تعتبره التيارات المعادية للديمقراطية أي عبير موسي وقيس سعيد ..
ولكن حركة النهضة فشلت في إحداث هذا التحالف ضدّ الدستوري الحرّ بل جعلت هذا الأخير يخترق حائط الصدّ ويجلب تعاطف خصومه نحوه، فإذا كان الأمر كذلك والعدو هو الدستوري الحرّ فقط فما بالك كيف يكون الامر حين ينضاف إلى عبير موسي قيس سعيد ؟ فالمنطق يقول أن كل من تريد النهضة التعويل عليهم هم الآن في صف أعدائها ولا مصلحة لهم البتة في أي عملية مهادنة للمعبد الأزرق ..
هنالك استراتيجية وحيدة قد تنقذ النهضة من عزلتها وورطتها وهي فك التحالف الموضوعي بين عبير موسي وقيس سعيد ودفعهما لمواجهة بعضهما البعض ما دامت هذه المواجهة قادمة لا ريب فيها !
ولكن هذه الاستراتيجية على افتراض إمكان قيامها – تستدعي تضحيات هامة من الحركة الإسلامية أدناها التضحية برئيسها والبحث عن توافق جديد داخل مجلس نواب الشعب،أي ان تتراجع النهضة خطوات إلى الوراء وان تتوارى قليلا عن ركح الأحداث وان تغذي الخلافات بين خصميها العنيدين،أما محاولة المغالبة ومواصلة المرور بقوة في مجلس النواب وفي الحكومة فسيجعلها ضرورة المرمى الوحيد لسهام الخصوم والأعداء ..
ثم إن المعطيات الموضوعية لاستراتيجيات أعداء النهضة تقلص كثيرا من حظوظ هذا السيناريو المثالي للحركة الإسلامية،فقيس سعيد في عداء واضح مع النهضة لا لأسباب إيديولوجية بل لأنها الحجر الأساسي لأجنحة السلطة التي يريد الانقضاض عليها( البرلمان والمنظومة الحزبية والحكومة ) أما بالنسبة لعبير موسي فمعركتها إيديولوجية مع الإسلام السياسي وهي بالتالي معركة وجود كذلك لا معركة حدود .
مسألة وحيدة يمكن أن تربك إستراتيجية عبير موسي : لو أصبح قيس سعيد هو العدو الأول والفعلي للاسلام السياسي قولا وفعلا (؟) فما عساها تفعل؟ أو لو تردد رئيس الدولة في المرور من القول إلى الفعل فهل ستحول جزءا هاما من سهامها نحوه أم ستعتبره، على رأي الرفاق القدامى، العدو الثانوي وتبقى حركة النهضة هي العدو الرئيسي وعلامة الصنع المميزة للدستوري الحرّ ؟ !
المعارك والحروب لا تربح فقط بقوة العتاد والجيوش بل وكذلك بالحيلة أي بالتكتيكات الدفاعية والهجومية وبحسن استغلال مواطن ضعف العدو ..
لقد دخلنا – منذ مدّة للحقيقة – في حرب ثلاثية الأطراف والسؤال الوحيد هنا هل سنشهد تحالفا ذاتيا أو موضوعيا بين طرفين للإجهاز على الثالث أم أن هذه الحرب ستكون في كل الاتجاهات دون تحالفات ثابتة ؟
ذلك هو السؤال !