الاستقرار السياسيّ والمجتمعي ويرسّخ العدالة الاجتماعيّة. ويتجلّى التقيّد بمراعاة المصلحة العامّة أوّلا: في مستوى روابط الأفراد المتنوّعة ضمن المجتمع؛ وذلك على أساس الاعتراف المتبادل بوجود الآخرين فيه،وترسيخ مبدإ العيش معا، والاعتراف بين الفاعلين السياسيين والفاعلين الجمعاويين (في المجتمع المدني) بالوجود المتبادل القائم على مبدإ التشاركية. أمّا المستوى الثاني فيظهر في تحقيق التطوّر الاجتماعي والتنمية إذ أنّ المصلحة العامّة تتجسّد في قدرة الدولة على تنمية العنصر البشري في المجتمع وتحقيق المنفعة العامّة وتوفير الرعاية الإجتماعية والرفاهية للجميع وضمان التقدّم ماديا وثقافيّا والتنمية الشاملة والمستدامة.
ولكن أين نحن من كلّ هذا؟ وهل لازالت المصلحة العامّة تمثّل هاجس السياسيّ؟
من الواضح أنّ المصلحة العامّة لم تعد تعتبر موضوع اهتمام المسيّرين للحكومة ولا محور الفعل السياسيّ. فما هو ماثل في أذهان التونسيين هو ارتهان الفعل السياسي واختزاله في تحقيق المصلحة الشخصية وهيمنة منطق حفظ مصالح الحزب الحاكم وتوابعه وأكسساوارته ( من حزام وأساور وأقراط ...) باعتباره يمثّل المحور،ويحتلّ موقع الصدارة. فهل نجحنا بعد كلّ هذه السنوات، في القضاء على سيطرة الحزب الواحد وإحلال واقع التعدديّة الحزبيّة وترسيخ تقاليد العمل المشترك بين من هم في دوائر السلطة ومن هم في موقع المعارضة؟
ومادام الحزب الحاكم حريصا على تحقيق مصالحه وتوفير الامتيازات لقياداته وتيسير الخدمات لأتباعه فإنّ كلّ محاولة للحدّ من استفحال الفساد تبوء بالفشل فلا معنى إذن لقضاء نزيه ما دام عدد من القضاة لا يحكّمون ضمائرهم ولا يراعون المصلحة العامّة، (الزيادات الأخيرة في أجورهم مثالا) ولا أثر لهيئة مكافحة الفساد على أرض الواقع السياسيّ والاجتماعيّ، ولا دلالة لشعار «ناقفو لتونس» ولا لحملات فضح المفسدين ولا ضمانات فعليّة للمبلغيّن عن الفساد إذ تتضارب مصالح المتمسّكين بأولوية مراعاة الصالح العامّ مع مصالح المدافعين عن المصالح الشخصيّة لتفصح عن الفجوات والمفارقات فنحن في الواقع إزاء: رؤيتين للحياة والعالم وتصوّرين مختلفين لممارسة السياسة وهذا يعني أنّ التطابق بين الدال والمدلول قد انعدم وأنّ المصلحة العامة صارت تفهم على أنّها أداة للسلطة والنفوذ ولا وسيلة لنيل الشرعية الفعليّة.
تُصاغ السياسات وتتخذّ القرارات باسم مراعاة المصلحة العامّة ظاهرا، وباسم ضمان المصالح الخاصّة ببعض الفئات على أساس سياسيّ/طبقيّ/ أيديولوجي/جهويّ/ ... باطنا. فتكون النتيجة عدم ثقة الناس في الحكومة باعتبار أنّهم صاروا يتحمّلون هم وحدهم تبعات هذه السياسات التي تُدبّر ليلا بطريقة ارتجاليّة تنّم عن فهم محدود للأزمات وتفضح امتلاك أصحابها عدّة تحليلية قديمة لا تسمح بقراءة الواقع. فما هي جغرافية التهميش اليوم في ظلّ أزمة كورونا؟ وما هي ملامح الفئات المهمّشة الجديدة حسب الحكومة؟ وما هو فهم صائغي هذه السياسات للهشاشة؟
ليت «للمشيشي» وفريقه المهتمّ بطلب ودّ الآخرين عيونا قادرة على الإبصار وآذانا قادرة على الإصغاء...ولكن هيهات لا نخال الفريق الحكومي قادرا على التضحية بالأرائك الوثيرة والمكاتب المريحة في سبيل التجوّل في ربوع البلاد ليعاين أعضاؤه ما يجري في الواقع ويحدّقوا بملء العيون في معاناة التونسيين في وسائل النقل العمومية، والمستشفيات والإدارات العموميّة، ومراكز الشرطة والمؤسسات التربوية والتعليمية وغيرها من الأفضية التي باتت لا توفّر الخدمات بقدر ما تتسبّب في معاناة المتردّدين عليها ومن هنا أفرغت «المصلحة العامّة» من كلّ الدلالات واستبدلت بـ«نفسي نفسي لا يرحم من مات».
ولأنّ الفريق الحكومي لا يعرف الواقع فإنّه يعمل على بناء صورة له أقلّ ما يقال عنها أنّها مشوّهة يكفي أن نشير في هذا الصدد إلى السياسات التي صيغت لمواجهة أزمة كورونا إذ غابت التدابير التي تخصّ الفئات المتعرّضة للعنف الاقتصادي والاجتماعي والمادي والرمزي واختزلت المصلحة في مراعاة مصالح رجال الأعمال ومشاعر فئة المصلّين ...
ولن نبالغ إذا اعتبرنا أنّ فهم الماسكين بزمام الأمر للمصلحة العامّة مشوّش وقد تجاوزه الزمن إذ لا حضور لدلالات المصلحة العامّة الاجتماعيّة، ولا المصلحة العامّة الاقتصادية، ولا المصلحة العامّة البيئية وغيرها من المصطلحات والمفاهيم المعبّرة عن الحراك المعرفيّ والوعي الصادق بضرورة ضمان حقوق المواطنين/ات، ولعلّ أهمّها خلال هذه المرحلة: الحقّ في الحياة والحقّ في حفظ الصحّة، وخاصّة النفسيّة.
ليت «للمشيشي» عينا فترى ما يلاقي التونسيون/ات: من بلاء
- بقلم المنجي الغريبي
- 10:58 12/04/2021
- 1094 عدد المشاهدات
تقوم المصلحة العامّة على إحداث التوازن بين مختلف المصالح التي تكون في الغالب متعارضة؛ وذلك بهدف توفير مناخ ملائم يضمن