يستغربون تجاهل ما جاء في الدستور من مواد تنصّ على المساواة والتناصف، وتحقّق الإجماع بين أهل اليمين وأهل اليسار على منع النساء من تولّي مناصب قيادية، وكأنّها المرّة الأولى التي تحدث فيها المناصرة والتحالف بين «الأخوة الأعداء». فكلّما كان الرهان سلطوّيا وذا وشائج بفكرة القيادة والزعامة وحماية الامتيازات الذكورية والمصالح الحزبية بلغ الصراع ذروته وأطلّت الأيديولوجيا الذكورية من مكمنها وضحّى القوم بحقوق النساء، وهو أمر متوقّع إذ ظلّ طرح «قضايا المرأة» على امتداد التاريخ المعاصر للدولة القطرية ورقة ضغط سياسيّ يتلاعب بها من هم في السلطة.
ولئن تراوحت ردود الفعل من «اليساريين» و«الديمقراطيين» و«الحداثيين» بين التقريع، والسخط، واللوم الشديد، والتنديد بالخذلان...فإنّ الموقف من الإسلاميين، وخاصّة نائبات حزب النهضة، وحزب ائتلاف الكرامة كان أشدّ ضراوة فهنّ «عورات في خدمة حركة الإخوان» و«جواري النهضة» .. والواقع أنّ رفض التناصف منتظر فالسياق اليوم سياق «تمكين» يدفع حزب النهضة إلى التخلّى عن استراتجياته السابقة المتمثلة في الظهور في لبوس الحزب الإسلامي الديمقراطي الذي لا يجد غضاضة في فسح المجال أمامهنّ حتى يحققن المرئية المطلوبة. ولذا انضمت فئة من التونسيات لهذا الحزب الذي نجح في تسويق صورة «غير مألوفة» وصدّقن سرديته وصرنّ يروّجن لفكرة مفادها أنّه «حزب تخلّى عن قناعته وأجبر على التكيّف مع الواقع التونسي الحداثي».
يأتي تخلّي النهضة عن أداء دور الحزب الإسلامي الديمقراطي والوسطي والعصريّ والمتونس والمناصر لحقوق النساء و«الأقليات»... في سياق سياسي اتسّم بالاستقطاب والصراع من أجل فرض الهيمنة ولذا فإنّ المحكمة الدستورية لا تشكّل شرطا من شروط استكمال مسار التحوّل الديمقراطي بل هي رهان كبير وضمانة هامّة باعتبارها وسيلة، في تصوّر القيادات، لحفظ مصالح الحزب وموقعه. من هذا المنطلق وجب تعيين رجال بمواصفات خاصّة في هذا الموقع من ذلك إتقان ممارسة الدهاء، والتفنن في المراوغة، وتوظيف «فقه الحيل» والتلاعب بتأويل النصوص، وكتم الأسرار وغيرها من المهارات. ووفق التمثلات والصور النمطية التقليديّة (النساء لا يحفظن الأسرار، لا يصمدنّ أمام الضغوط، جبانات...) لا يمكن للنساء احتلال هذا الموقع كما أنّ المرجعيّة التقليدية تحذّر من تمكين النساء من القضاء وفضّ الخلافات التشريعية والسياسية «فإن المصلحة المدركة بالعقل تقتضي عدم إسناد الولايات العامة لهن، فإن المطلوب فيمن يُختار للرئاسة أن يكون على جانب كبير من كمال العقل، والحزم، والدهاء، وقوة الإرادة، وحسن التدبير، وهذه الصفات تتناقض مع ما جُبلت عليه المرأة من نقص العقل، وضعف الفكر، مع قوة العاطفة، فاختيارها لهذا المنصب لا يتفق مع النصح للمسلمين، وطلب العز والتمكين لهم». وإذا نظرنا إلى المسألة من زاوية بناء الرجولة لاح لنا أنّ الرجولة تقضي أن لا يسلّم القوم أمرهم لامرأة «تحيض وتبيض» و«المرا ما هي إلاّ شقفة بول»...
ويتّضح أنّ المجتمع البطريكيّ والمحافظ يمثلّ القاعدة الصلبة التي تجعل اليميني و«التقدميّ- الحداثي» يلتقيان، ويتحدان فما ترسّخ في اللاوعي هو عدم أهليّة النساء للمناصب العليا وحيازة السلطة، بل هو الخوف من أنموذج جديد من الأداء الذي ظهر مع سامية عبوّ، وخاصّةعبير موسي. إنّ هذا الأنموذج يحرّك المشاعر الدفينة فتتسع دوائر الخوف من النساء وتبرز معاداتهن بشكل جليّ. ومادامت أغلب المنتميات إلى الأحزاب الإسلامويّة «منضبطات» ويتحرّكن وفق تعليمات الأب/ الشيخ ويستمتعن بحمايته ومباركته لتحركاتهن فإنّهنّ لا يملكن، في الواقع، سلطة القرار بحكم التنشئة الاجتماعية ودخلنة القيم المعيارية والأيديولوجيا الذكورية. إنّهنّ تابعات لمن يُدبّر ويخطّط نيابة عنهنّ، وهنّ راضيات بهذا الوضع مادامت النتيجة هي تمكين النهضة وتحصيل الغنائم لهنّ ولأزواجهنّ وأبنائهنّ وأحفادهن...
أمّا تعبير هؤلاء النسوة عن فرحهنّ برفع الأيادي والضحك والحبور فإنّه يفسّر في اعتقادنا ، بردّ فعل صبياني لا يرقى إلى مستوى الأداء السياسيّ إذ أنّهن تتصوّرن أنّ «وضع العصا في العجلة» هو شكل من أشكال التشفيّ من «عبير» فتغدو المسألة في إطار الاستفزاز، والشماتة وتصفية الحساب بعقلية «الضرائر» العدوّات... ولولا اقتران «التزغريد»، وهو شكل تعبير ارتبط في الغالب بالنساء، بعبير موسي في المتخيّل السياسي لأطلقت «النهضاويات» ومن دار في فلكهنّ الزغاريد. ولكن نسيت هؤلاء أنّ السياسة والمعارك «يوم ليك ويوم عليك» وأنّ التمكين يتبعه الضعف والانحدار وتلك قواعد علم العمران. رحم الله نوال السعداوي حين ربطت استلاب النساء وانعدام الوعي لديهنّ بأنظمة القمع المتعاضدة: الدولة والدين والبطريكية، والمجتمع، والرأسمالية...
لولا الخوف «لزغردت النهضاويات»
- بقلم امال قرامي
- 11:40 27/03/2021
- 1919 عدد المشاهدات
لا يزال أغلب التونسيين/ات تحت وقع الصدمة بعد رفض تطبيق مبدإ التناصف في اختيار أعضاء المحكمة الدستوريّة...