الرئاسة تطرح مبادرة حوار وطني بمشاركة الشباب: قيس سعيد والديمقراطية المباشرة .. أزمة جديدة ...

في الوقت الذي كنا ننتظر من رئاسة الجمهورية الاقدام على خطوة شجاعة والدعوة إلى حوار وطني يجمع اطراف الازمة والمنظمات الاجتماعية

والجلوس على طاولة الحوار بهدف الوصول الى توافقات الحد الادنى التي تسمح بإنقاذ البلاد والتخفيف من حدّة الصدمة التي ننتظرها في ظل سقوطها الحر في الهاوية.
اختار الرئيس قيس سعيد ان يعمق الازمة اذ ترك الرجل مبادرة اتحاد الشغل التي قدمت له منذ اشهر على جانبل ليعلن استعداده للاشراف على حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة والهدف من هذا بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي قبل صياغتها لاحقا من قبل المختصين جهويا ووطنيا بهدف الوصول الى مخرجات متناغمة ومتناسقة.
هذا التصور الذي اعلن عنه الرئيس. يوم الاربعاء الفارط. يبحث وفق قوله عن صياغة مخطط اقتصادي واجتماعي ينبع من إرادة الشعب. وذلك بعد الاستماع إلى عرض مفصّل حول الوضعية الاقتصادية والمالية ومخاطر ذلك على الامن القومي. وهو عرض قدمه نزار يعيش وزير المالية السابق، الذي اشار الى وضع تطبيقية اعلامية تسمح بإقامة حوار مع الشباب.
خطر يقر قيس سعيد به ويعتبر لأول مرة ان دواليب الدولة لا تعمل بشكل طبيعي. وان القى باللائمة على جهات أخرى- لكن الاقرار والقول بان مرافق الدولة في عجز لم يرافقه استيعاب فعلي لأولويات البلاد وضرورة تعزيز قدرتها على امتصاص الصدمات القادمة كخطوة اساسية للحفاظ على كيان الدولة وتوفير الحد الادنى الذي يسمح بتنزيل بنود خطة انقاذ مستعجلة تليها بعد اشهر او سنة خطة اصلاح شاملة.
فما كشف يوم الاربعاء الفارط هو ان الرئيس مر الى تنزيل رغبته وتصوره لطبيعة العمل السياسي ولوظيفة رجالات الحكم على ارض الواقع. فما يتضح مما قدم من معطيات ان التطبيقية التي وضعت وتقييم الوضعية المالية والاقتصادية وصياغة خطط ليس وليد اللحظة بل هو عمل استغرق وقتا. ولا يبدو ان يعيش قد اقدم عليه دون تكليف من الرئاسة كما لا يبدو ان دوره سيقف عند هذا الحد.
هنا تتضح الصورة اكثر بما يفيد ان الرئيس وان لم يعلن رفضه المباشر لمبادرة الاتحاد إلاّ انه عمل على تجاوزها بوضع مبادرته الخاصة. وبإخراج يتضمن نسبتها الى وزير مالية سابق. قدم له مبادرة تضمنت كل عناصر تصوره السياسي الذي قدم في الانتخابات المتمثلة في الديمقراطية المباشرة التي يعود فيها الحكم الى الشعب لا الى السياسيين.
فدعوة الرئيس الى تشريك الشباب في الحوار الوطني وأن تنبع الحلول من المحلي الى المركزي. هي تجسيد لرغبة الرئيس في تجاوز الهياكل التمثلية الوسطى من احزاب ومنظمات وان اعترف بجزء من مكوناتها فانه، ومنح السلطة الى المواطنين اينما وجدوا. وتخطى ممثليهم المنتخبين، سواء في المنظمات او الاحزاب او اجهزة الدولة ومنها البرلمان.
اي ان الرئيس نزل دعوته الى الانطلاق في بناء جديد، بان قرر اقامة حوار يستجيب لتصوراته ونظرته لطبيعة الحكم ومهام السياسيين الذين تسحب منهم ادوارهم ومهامهم ويقتصر وجودهم وفق تصور الرئيس على مهمتهم التقنية وهي تنزيل الخيارات التي تفرز من القاعدة.
خيارات تمتلك الرئاسة اليات وقدرة على ان توفر لها ارضية واليات بلورتها وذلك عبر حوار يبدو ان اجهزة الرئاسة ومقدراتها ستخصص من اجل نجاحه، في انتظار تحديد الية تنزيله على ارض الواقع.
وهنا قد يجد الرئيس استجابات مختلفة، فهناك أحزاب وجهات ستدعم مقاربته اما لقناعتها بها او بهدف شد الخناق على الخصوم السياسيين الذين يتمثلون في الحكومة وحزامها البرلماني الذين سيقدون جبهة المعارضة لهذا الخيار لادراكهم ان فيه نهايتهم، فالقبول بتنزيله كما هو اقرار بنهايتهم والغاء ادوارهم.
وبين هذين الفرقين سيكون هناك من يبحث عن التعديل وقد يكون الاتحاد ابرزهم، فما يلتقط من خطوة الرئيس انه بصدد استهداف كل التنظيمات التقليدية والسماح بها سينجر عنه اخراج المنظمات الوطنية من الصورة ، ويجعلها امام تصورات وبرامج اسقطت عليها ولم تساهم في صياغتها.
كل هذا ان نظر اليه مجمعا سيكشف اننا امام تصعيد جديد للازمة، سمته الحالية ان الرئيس رفع الغموض عن مشروعه السياسي وفلسفته لكيفية ادارة الحكم في البلاد، وهو ما يطرح سؤال هل هذا ممكن في السياق الحال الذي تمر به تونس؟
ان البلاد اليوم في امس حاجتها الى الحكمة والعقل وان يقع ارجاء المهم بعد الأهم. والاهم اليوم ان تجمع رئاسة الجمهورية الفرقاء والمنظمات الاجتماعية إلى طاولة حوار يهدف الى الخروج من النفق المظلم الذي اطلنا المقام فيه. وتحقيق هذا لا يزال ممكنا رغم ان ما توحي به الرئاسة من خطوتها الاخيرة انها قررت القفز على الاحزاب والكتل البرلمانية والتنظيمات التقليدية والذهاب الى الشباب مباشرة للاستماع اليه.
فما يطرحه الرئيس لا يزال قابلا للتعديل، بهدف الوصول الى حل وسط وإقامة حوار وطني يشارك فيه الفاعلون السياسيون والمنظمات الاجتماعية من اجل التوافق على العاجل الذي لا يمكن ان ينتظر لأسابيع او أشهر وان يترك امر القضايا الكبرى والمنوال التنموي الى حوار يتضمن تصور الرئيس القائم على ان الحلول يجب ان تنبع من الشعب.
اليوم يمكن للرئيس ان يتدارك الامر بان يجعل حواره على مرحلتين. المرحلة الاولى حوار سياسي واقتصادي بهدف الانقاذ الان وهنا قبل ان تفقد البلاد اي هامش ضيق لازالت تمتلكه للتحرك وتجنب فرض املاءات خارجية. وهذا يفترض ضبط دائرة المشاركين وحصر الوقت وتحديد الاولويات العاجلة والحارقة.
اليوم يمكن لنا ان نتقدم خطوة الى الامام ان تنازل كل طرف لصاحبه من اجل ان ننجو من الهلاك وان لا نحرق بأيدينا كل مراكبنا ونحن في قلب البحر لا يابسة نلجأ اليها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115