المجلس لسنة ونصف. وجعلته رهينة صراع النهضة والدستوري الحر.
صراع كان له يوم امس جولة جديدة. تابع التونسيون تفاصيلها وأحداثها التي انطلقت بمنع رئيسة كتلة الدستوري الحر من دخول قاعة الجلسة. وما رافق ذلك من اتهامات بالاعتداء عليها بالعنف. اقر بحدوثه نواب من كتل اخرى تقاطعت شهاداتهم مع سردية رئيسة الدستوري الحر بان نائبا من كتلة النهضة اعتدى عليها بالعنف.
عنف انتشر امس في اروقة البرلمان وقاعة جلساته. لفظى ومادي بالإضافة الى اعمال التشويش والفوضى التي نقلت صوتا وصورة للتونسيين الذين باتوا تحت قصف عشوائي يجبرهم على التطبيع مع الرداءة والعنف والفوضى الناجمة عن الصراع بين الدستوري الحر والنهضة.
وضع يقول عنه عماد الخميري رئيس كتلة النهضة انه ظاهرة وجب حصارها. وهو ما اتاه مكتب المجلس امس بإصدار قرار بمنع رئيسة الدستوري الحر من اخذ الكلمة لثلاث جلسات متتالية. اضافة الى منع استعمال مكبرات الصوت او اي أداة لتضخيم الصوت في قاعة المجلس.
لكن هذا لم يمنع كتلة الدستوري الحر ومن التشويش على اشغال جلسة امس وتقديم الامر على انه بداية التصفية الجسدية. وتغذية الصراع بينها وبين النهضة وجعل البرلمان فسطاطين. اما معها اذن مع تونس او مع الاخوان وما يرافق ذلك من وسم بالخيانة والعمالة.
وبهذا يتم تأبيد الصراع والاستقطاب الثنائي وهو ما يعني ان الصراع في البرلمان لن يشهد نهاية قريبة او خفضا لحدته التي يبدو انها تتجه الى التصاعد اذ هناك من يريد حسم الصراع لصالحه. باسرع وقت ممكن لاعتبارات تتعلق بالأزمة المؤسساتية بين البرلمان والرئاسة ومحاولة التفرغ لخوض المرحلة القادمة منها.
هذا الحرص تبديه الاغلبية البرلمانية التي تتزعمها النهضة التي باتت تعتمد سياسة المواجهة مع كتلة الدستوري الحر والبحث عن حصارها وتقليص قدرتها على ارباك عمل البرلمان او التأثير فيه. والغاية من ذلك لا تقتصر على تحسين صورة المجلس لدى التونسيين بل لغاية تتجاوز العلاقات العامة والتسويق الداخلي والخارجي. وهي فرض البرلمان كمؤسسة حكم فعلية في البلاد وصاحب الحل والعقد في المرحلة القادمة.
وهذا يستوجب اعادة ضبط ايقاع اشغاله وفرض الانضباط للأغلبية التي تتصارع مع المعارضة لتحجيم دورها وقدرتها على التأثير. لذلك تزامن اتخاذ الاجراءات الجديدة ضد كتلة الدستوري الحر مع شيطنة للكتلة الديمقراطية وتشكيك في توليها رئاسة لجنة المالية. وهذا الامر ترك لكتلة قلب تونس.
خيارات جديدة تقدم عليها الاغلبية البرلمانية التي استعانت بعدل تنفيذ لمعاينة ما تقوم به كتلة الدستوري الحر مع اعلام النيابة العمومية كخطوات اضافية في محاصرة الدستوري الحر والحد من قدرته على التاثير في عمل البرلمان وارباكه وتقديمه في صورة المؤسسة العاجزة عن تسير ذاتها نهيك عن تسير البلاد.
دفع بالأزمة الى الاقصى هو ما تمّ امس في البرلمان الذي بات يختزل في صورة ذهنية لدى التونسيين تقوم على الفوضى والعنف والعطالة. وما اتته الاغلبية وأيضا كتلة الدستوري الحر سيعزز هذه الصورة وسينعكس سلبا على اشغال المجلس الذي سينتقل فيه الصراع من صراع بين النهضة والدستوري الحر الى صراع مفتوح بين الاغلبية والمعارضة.
صراع استفحل ونجم عنه استحالة التعايش بين الكتل داخله في ظل استشراء العنف الذي تطور من عنف لفظي الى مادي بات يتكرر خلال الايام القليلة الماضية في ظل عجز ادارته عن فرض مناخ يسمح باحتواء الخلافات ويحسن ادارته.
يوم امس تجلت مرة اخرى ازمة ادارة المجلس تحت رئاسة الغنوشي المحاط بأغلبية برلمانية تتعامل مع البرلمان بمقاربة المغالبة والقوة لفرض خيارات سياسية تتجاوز البرلمان لتشمل اوجه الحياة السياسية في البلاد التي تقاد الى الهاوية من كل مؤسساتها المتناحرة.
هاوية لم نعد مهددين بأننا نقترب منها خطوة بخطوة. بل نحن سقطنا فيها والارتطام بالقاع بات مسألة وقت. وما قد ينقذنا هي معجزة تتمثل في استيعاب المشهد بتفاصيله وعمومياته وان النجاة ان كانت ممكنة فهي مرتهنة بان تقدم كل اطراف الصراع الراهن سواء في البرلمان او خارجه على التنازل للوصول الى مخرج في اسرع وقت.