إلى سيادة رئيس الجمهورية: نريدك حلاّ لتونس !

بعد أسبوع واحد تكون قد مرّت على عهدة رئيس دولة سنة وخمسة أشهر أي ربع المدة الرئاسية،وقد نكون أغلقنا كذلك الأسبوع الثامن لأزمة التحوير الوزاري

وما تبعها من قطيعة كلية بين رأسي السلطة التنفيذية..

لقد اعتقدنا – كما اعتقد الكثير من التونسيين– أن رئاسة قيس سعيد فرصة هامة لتونس لتقطع مع السياسات الحزبوية الصغيرة ولتضع قدميها بصفة جدية وحاسمة في مسار إصلاحي يعيد لثقافة العمل والجهد والاجتهاد مركزيتها وللتضامن بين الفئات والجهات بعدا ملموسا في السياسات العمومية،كنّا نتمناها رئاسة تسهم في نحت حلم جماعي بتونس فضل وأجمل وأعدل..

صحيح أن سوء الحظ قد رافق جلّ هذا الربع الأول من العهدة الرئاسية : جائحة صحية عالمية جعلت اقتصادنا المترنح قبلها يتراجع بقرابة %9 في سنة واحدة..جائحة زادها قصر نظر أحزاب الحكم والمعارضة وصراعاتها الطفولية في مجلس نواب الشعب حدّة على حدّة جعلت أعدادا متزايدة من التونسيات والتونسيين تيأس من الإصلاح ومن تحسين وضع البلاد ومن ضمان مستقبل أفضل لشبابنا ..كل هذا صحيح ولكن السؤال الوحيد الذي يجب على كل مسؤول سام في الدولة أن يطرحه على نفسه هو : ماذا فعلت من أجل تخفيف حدّة الأزمات وما هي الآفاق التي فتحتها لبلادي من أجل توفير شروط النجاح في المستقبل؟ وهذا السؤال يصبح مصيريا عندما يتعلق الأمر برأس الدولة وصاحب الشرعية الأعلى والأكبر فيها ..

ماذا فعل قيس سعيد خلال الربع الأول من عهدته الانتخابية ؟
لا يشك جلّ التونسيين في نزاهة الرجل ورغبته الصادقة في خدمة البلاد والعباد،ولكن في السياسة – كما في المنافسات الرياضية– العبرة دوما بالنتائج لا بالنوايا إذ كم من نية حسنة بلّطت طريق جهنم كما يقول المثل الفرنسي ..
ما نراه أمام أعيننا هو التالي : تطور احتراز قيس سعيد من الأحزاب خاصة والنخب عامة من الارتياب إلى العداء فتحول كل نقد لأداء رئيس الدولة إلى خيانة أو نفاق أو كذب وأخذ خطاب رئيس الدولة بصفة مبكرة نبرة شعبوية مخونة للخصوم /الأعداء وكأنه يريد أن يقدم نفسه كالمدافع الوحيد عن الشعب وعن البلاد مقابل جحافل الخونة الفاسدين .
ويبدو أن رغبة خصوم الرئيس في التحالف البرلماني حول حركة النهضة حشر صاحب قرطاج في الزاوية وعزله سياسيا بالتخلص من كل الوزراء الذين حرصت الرئاسة على تعيينهم في حكومة المشيشي قد فاقم الأزمة وحولها إلى حرب دونكيشوتية عبثية لا فائدة مطلقا للبلاد من ورائها ..حرب جعلت مكونات السلطة الأساسية تتعادى في ما بينها وتعمل جاهدة

على النفي المتبادل ..
وأنتج كل هذا نتيجة غريبة تتمثل في تحويل المشاريع العزيزة على قلب رئيس الدولة (المدينة الصحية بالقيروان والقطار السريع من بنزرت إلى الجنوب) إلى مشاريع تنتج الفرقة والصراع بدلا من تحويلها –ضمن رواية متكاملة للمشاريع الكبرى – إلى مخططات تنموية شاملة تنخرط فيها كل جهود الدولة .
لقد أصبح كل سؤال أو تساؤل حول مشروع المدينة الصحية كحجم الاستثمارات وطبيعتها والطبيعة القانونية للمشرع (قطاع عام أم قطاع خاص أم شراكة بين القطاعين) ومن هم المستثمرون وعن آجال الانجاز وديمومة المشروع أصبحت هذه الأسئلة وكأنها تشكيك في الرئاسة وتقابلها أجوبة،أو بدايات أجوبة مقنعة،بل يجابهها الرئيس في كل مناسبة ودون مبرر واضح بالتشنيع عليها وعلى أصحابها وكأن مشروعا ضخما مفيدا للبلاد – على افتراض قيامه وفق دراسات جدية –هو إطار جديد للصراعات والمناكفات التي لا تنتهي ..

ولكن يبقى الأخطر في هذه الأشهر السبعة عشر هو انعزال الرئيس بصفة إرادية على أجزاء هامة من النخب والرأي العام وتحول خطاباته وتهديداته المستمرة وألفاظه الحربية إلى عناصر إضافية للدهشة أو التندر بما يفقد الكلمة الرئاسية وقعها وقوتها وبالتالي مصداقيتها ..
والسؤال الأخير والاهم : هل ساهمت رئاسة قيس سعيد في ربعها الأول في مزيد توحيد التونسيين أم أضافت انقساما جديدا إلى انقساماتهم ؟

الواضح أننا في الجزء الثاني من الجواب وها أن أهم دعامة لقيس سعيد (الاتحاد العام التونسي للشغل ) وكأنه يئس منه ومن قدرته على إيجاد مخرج جدي للازمة الخانقة الحافة بالبلاد .

نريد أن نعتقد أن الفرصة مازالت سانحة حتى يتحول رئيس الدولة بصفة جوهرية في النهج الصدامي الذي تبنّاه وفي هذه المعارك التي تهدر وقت التونسيين وطاقاتهم الحيوية وأن يقبل بالانخراط – وفق الحدود الدستورية الواضحة – في إنقاذ البلاد وأن يتعاون في ذلك مع كل أجهزة الدولة وأن يعمل على توحيد التونسيين بدل مزيد تقسيمهم ..
الفرصة مازالت سانحة شريطة الجرأة في المراجعة والتصويب حتى تكون رئاسة قيس سعيد حلّا لتونس لا عبءا جديدا عليها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115