بعد مراسلة وزيرة العدل بالنيابة إلى مجلس القضاء العدلي: القفز إلى الخراب

يتحدث الساسة في تونس عن انّ اقدارهم ساقتهم ليكونوا في «محنة الحكم» وما هم براغبين فيه. ويغفلون عن ان أقدارهم التي جلبتهم ليقودوا البلاد

الى ازمات ليست إلا بلاء لنا وللبلاد التي باتت تتهاوى نتيجة سوء التقدير وغباء الرؤية التي تعتقد انه من اجل الفوز في الصراع السياسي يباح كل شيء.
ما وقع الكشف عنه خلال اليومين الفارطين ليس بالهين بل هو مؤذن بالخراب. اذ يؤكد مرة اخرى اننا امام خيارات وتصورات تبيح جر السلطة القضائية جرا الى المحرقة وقد تكرر الامر. مما ساعد على ترسّخ انطباع عام لدى التونسيين بان القضاء ليس مستقلا وليس في منأى عن الفساد وشباكه اضافة الى التبعية للسلطة التنفيذية ودوائر القرار وتركيز شبكة زبونية توفر الحماية المتبادلة بين قضاة ورجالات الدولة.
فما اوحى به بلاغ مجلس القضاء العدلي الصادر يوم الخميس الفارط هو ان الحكومة تريد تجازي «قضاتها» الذين قدموا لها خدمات او يحمون مصالح وشبكات مرتبطة بها او بحزامها السياسي والبرلماني.
فقد أشار البلاغ الى مراسلة من وزيرة العدل بالنيابة بتاريخ 24 /02 /2021 تطالب فيها باسترجاع تقرير التفقدية العامة وقرارات الإحالة على مجلس التأديب. اضافة الى القرارات الصادرة عنها بذات التاريخ القاضية بالرجوع في إحالة مجموعة من القضاة على مجلس التأديب. والقصد هنا ايقاف المسار الذي تطلبه تقرير التفقدية العامة بوزارة العدل المتعلق بإجراء الأبحاث اللازمة بخصوص الشكاوى المرفوعة ضد كل من الطيب راشد والبشير العكرمي اللذين صدر فيهما كما في قضاة اخرين قرار بالإحالة على مجلس التأديب.
هذا التدخل تفسره وزارة العدل في بلاغ صدر امس بأنه ليس تراجعا عن التتبع وإنما تعديل بهدف التصحيح الشكلي لقرارات الاحالة لاحترام مبدإ شخصيّة التتبع و ضمان الاطلاع على الملفات التأديبية تجنبا للإلغاء القضائي للقرارات التأديبية لأسباب شكلية.
لكن وبعيدا عن كلمات البيان والتسويق الذي تريد الوزارة ان تقدمه عن قرار طلب استرجاع التقرير وايقاف مسار الملاحقة للقضاة المذكورين. فإن ما تم للأسف الشديد تراجع صريح عن قرار احالة سبق وأن اعلن عنه قبل ايام قليلة وشمل قضاة من بينهم الطيب راشد الرئيس الأول لمحكمة التعقيب و البشير العكرمي وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس والمستشار الحالي برئاسة الحكومة.
هذا التراجع يبدو انه جزء من «صفقة «. اذ ان تاريخ المراسلة التي توجهت بها الوزيرة بالنيابة الى المجلس كانت يوما بعد صدور قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بخصوص الاستشارة التي تقدمت بها الحكومة عن ازمة التحوير الوزاري. وللعلم رئيس هذه الهيئة هو الطيب راشد.
ويصبح التزامن مثيرا للريبة اكثر بالإطلاع على مضمون القرار الذي انتصرت فيه الهيئة لرئيس الحكومة في صراعه مع رئيس الجمهورية. واعتبرت فيه ان موقف الرئاسة غير دستوري وقدمت هذا في شكل استشارة غير ملزمة. ولكنها توفر غطاء دستوريا لرئيس الحكومة وحزامه في الصراع مع القصر. ويبدو ان هذا الانتصار لم يكن دون مقابل.
فساعات بعد صدور رأي الهيئة الوقتية راسلت الوزيرة بالنيابة مجلس القضاء العدلي تطالبه بوقف مسار التتبع واسترجاع تقرير التفقدية. الذي تعلله لاحقا بأنه ليس تراجعا او نكوصا بل امر عادي يراد منه سدّ الثغرات.
مروية لا تلوى عنق الحقيقة لو بقى لها عنق، بل تؤسس لما هو ابشع مما كانت عليه المنظومة القضائية في زمن الاستبداد. اذ هي تؤسس لشبكات زبونيه يتداخل فيها السياسي بالقضائي وتصبح العلاقة بينهما قائمة على تبادل الحماية والمنفعة. وهذا يضرب في مقتل ليس فقط مبدأ استقلالية القضاء بل فكرة الدولة.
تونس دولة باتت مهددة في وجودها . اذ هي طريحة تتنازع حولها القبائل والطوائف كل يريدها لنفسه ولعشيرته تنتقل فيها وظيفة الدولة من خدمة وتنظيم المجتمع الى حماية مصالح شبكات وافراد. وهنا يغفل الجميع عن ان العودة بنا الى «حرب الكل ضد الكل « لا فقط يعمق ازماتنا السياسية والاقتصادية بل يشرع الابواب للتناحر والتمرد على هذا الكائن المسمى «دولة» وعلى الطبقة السياسية التي دفعتنا الى هذا الخراب الذي طال كل شيء.
خراب محركه الاول تناحر مؤسسات السلطة التنفيذية، رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة .اضافة الى البرلمان وأغلبيته الحاكمة. واستعمال من في الحكم للدولة واجهزتها في صراعات سياسوية تجعل من الانتصار في معركة - لا خير تحمله للتونسيين ولا هي من اولوياتهم- اهم ومقدما على كل شيء وتبرر من اجله الانحرافات الخطيرة.
تبرير اخطر ما فيه هو التطبيع مع سلوك يهدم الدولة والعقد الذي يربط بين مؤسساتها ومواطنيها. اخطر ما في الامر هو التطبيع مع ما يحدث وتسويقه على انه «فعل سياسي» وليس صبيانية انفلت عقالها فاتت تهدم كل شيء.
لم تعد الخشية والهاجس يتعلقان بحجم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي سنتحملها نتيجة الازمات المتلاحقة بل الخشية من ان لا تنتهى الازمة بين مؤسسات الحكم إلا بتوريث الخراب للقادمين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115