الأزمة السياسية العبثية تدخل أسبوعها السادس: حتى لا نفقد الأمل نهائيا !

لا ندري بم نوصف ما يحصل حاليا في البلاد فكل النعوت والصفات لا تفي بالغرض..عبث..صبيانيات.. هوس.. صراع العقد النرجسية ..

ما ندركه فقط هو أن ما يجري في بلادنا لم يعد يخضع إلى أية معقولية ممكنة ..

الواضح ومنذ مدة أن الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد لا تعود إلى اختلافات في تأويل الدستور ولا حتى إلى خلافات سياسية حادّة ..إنها تعود في النهاية إلى غياب الوعي الأدنى بدور السلطة السياسة في حياة الناس ،فهي عند البعض حسابات سياسوية تكتيكية لتقاسم «كعكة» لا تملك من مواصفات «الكعكة» شيئا وعند البعض الأخر أوهام هلامية وتهويمات فضائية لا تنتمي إلى الحدّ الأدنى المتعارف عليه في الكرة الأرضية ..

ثم إن أجنحة السلطة المتصارعة اليوم تعتقد أن الحياة تقتصر على صراعاتها بنجاحاتها وإخفاقاتها،أما حياة الناس اليومية،وحياة الاقتصاد الفعلي،والهموم اليومية لجلّ مواطناتنا ومواطنينا في صراعهم ضد المرض والفقر وغياب الآفاق لأبنائهم دراسيا وتكوينيا ومهنيا،فكل ذلك لا يكاد يزن شيئا في معادلاتهم وفي تكتيكاتهم للبقاء في السلطة أو للاستيلاء على مناطق الخصم ..

وأسوأ ما في هذه الأزمة هو صمت جلّ العقلاء في كل فريق عن حماقات أصدقائهم وعن ارتهان مستقبل البلاد في صراع نرجسي مدمّر..
فالشجاعة ،في كل آن وحين،لا تعني مهاجمة الخصوم بل تصويب غلوّ الأصدقاء والحلفاء ورفض المهاترات التي تقضي على القواعد الدنيا للعيش المشترك بدلا من تشجيع الحلول القصووية بتعلة أن القضاء على فريق ما بإمكانه أن يمثل حلاّ جديا للمستقبل ..
إن رفضنا للتحالفات الانتهازية داخل البرلمان وسياسة البقاء مهما كان الثمن في القصبة لا ينبغي أن يجعلنا نغض البصر عن التأويلات الرئاسوية الخطيرة في قصر قرطاج ولا عن سياسة تعفين الأزمة ورفض الحوار بين مؤسسات الدولة والتي ينتهجها رئيس الجمهورية .

إن الثنائيات القاتلة التي يريد ساستنا إقحامنا فيها قسرا لا تعني جلّ التونسيين،ولا تعني أصحاب الفكر الحرّ النقدي ..فلسنا مطالبين بالانخراط إما مع قيس سعيد أو مع راشد الغنوشي أو إما مع عبير موسي أو مع الإسلام السياسي..فالحياة والأفكار ومشاكل البلاد أرحب وأهم بكثير من هذه الثنائيات التي يراد لنا أن نعيش داخلها وألا نملك خيارات أخرى بدلا عنها ..
لنقل ماذا نريد من كل هذه الأطراف ومن غيرها، ولكن هل كتب علينا الاقتتال – حتى لو كان دون أسلحة – لنصل إلى توافقات وطنية تصوغ قواعد العيش المشترك من جديد؟ هل أن حشد الأنصار وتجييش الشارع هو الحلّ الأمثل لأزماتنا الصحية والمالية والاقتصادية المتفاقمة والمتظافرة؟
ولكن الأهم من كل ذلك : كيف يمكن الحفاظ على الحدّ الأدنى من أساسيات الحياة للأفراد وللأسر وللمؤسسات الاقتصادية في ظلّ الاحتراب السياسي الحالي؟
وهل سنجد غدا من هو مستعد للتعاون مع بلادنا بالاستثمار أو بالاقتراض والوضع السياسي يتعفن يوما بعد آخر؟!

تحتاج بلادنا نظريا إلى حوالي 18.5 مليار دينار كقروض داخلية وخارجية للإيفاء بتعهداتها خلال هذه السنة الجارية،وعمليا ستتجاوز حاجيات الاقتراض سقف 20 مليار دينار .. ونحن مدعوون من قبل كل المانحين المفترضين إلى عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي خلال الأسابيع القليلة القادمة ..فهل سنتمكن من كل ذلك في ظل ها المشهد السياسي العبثي ؟!

لا نريد النفخ في موجة التشاؤم العارمة التي تجتاح البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة ،ولكن بصيص الأمل يفترض الحدّ الأدنى من المسؤولية لدى مختلف أجنحة السلطة ويستوجب تحديدا أن يقبل رئيس الدولة بحل ولو منقوص للخروج من هذه الأزمة الخانقة وان يدعو إلى حوار فعلي وجدي يضم أهم المكونات السياسية والاجتماعية للبحث عن حلّ مشترك لا يقبل به الجميع .

يروى أن أحمد بن حنبل سئل ذات يوم: أيهما أفضل؟ الحاكم الفاجر القوي أم التقي الضعيف؟ فقال: «الفاجر القوي، فقوته للأمة وفجوره على نفسه، وأما التقي الضعيف، فتقواه لنفسه وضعفه على الأمة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115