أكبر ضحية للصراع العدائي لقبائل تونس: استقلال البلاد في مهب الرياح !

لقد حصل المحظور الذي طالما حذّر منه البعض: سياسات خاطئة على امتداد عشريتين على الأقل تضاف إليها صراعات شيوخ

قبائل تونس في هذه العشرية المنصرمة والعجز المتفاقم لمؤسسات الدولة مع عناد خيالي وتوهم القدرة على حسم المعارك التافهة لأجنحة السلطة.. كل هذا نتج عنه بصفة آلية وحتمية فقدان البلاد للعناصر الفعلية للحفاظ على الحدّ الأدنى من استقلال القرار الاقتصادي والسياسي ..
يمكن أن تندّد بالاستعمار أو بالامبريالية أو القوى الهيمنية صباحا مساء وإيهام الناس انه بإمكاننا الاستغناء عن الأجنبي كلية،ولكن من يحتاج إلى الاقتراض الخارجي وبهذا الحجم لم يعد بإمكانه التحكم في أي شيء ..
في الحقيقة لا وجود لبلاد مستقلة تماما عن محيطها الخارجي ولكن الأساسي هو في القدرة التفاوضية للبلاد، وبقدر توفر عناصر المناعة الداخلية من التوازنات الكبرى للمالية العمومية ومن تطور إنتاج القيمة المضافة ومن وضوح الرؤية التنموية ومن وجود أرضية مشتركة بين أهم الفاعلين الوطنيين على المستويين الاجتماعي والسياسي.. من شأن كل هذه العناصر أن تحسن شروط التفاوض للدولة مع شركائها الأجانب ..وبقدر ما تنخرم هذه المعادلات كليا أو جزئيا تفقد الدولة المعنية، كليا أو جزئيا،قدرتها التفاوضية وتجد نفسها مضطرة في الأخير إلى تطبيق وصفات دائنيها وفق شروطهم هم لا وفق إمكانياتها ومصالحها الحيوية ..
في تونس وصل بنا العناد السياسي الطفولي إلى درجات قصوى وكأن أهم أطراف النزاع قد نسيت أننا جميعا في نفس السفينة وأنه لا مجال لخلاص فردي لأي جناح من أجنحة السلطة منفردا أو لأية «قبيلة» من «قبائل الجمهورية» المتصارعة اليوم .
لقد أوصلت جائحة الكوفيد تناقضات البلاد السابقة واللاحقة أيضا إلى منتهاها وأبرزت استحالة مواصلة السير في هذه الطريق المسدودة ..
في بلاد يتصارع فيها الكل ضدّ الكل وتتراجع فيها باستمرار القدرة التوزيعية للدولة وتتآكل فيها قدرات الآلة الإنتاجية يصبح استقلال قرارها مسألة شكلية لا غير ..
لقد فاقمت الأزمة السياسية الأخيرة بين رأسي السلطة التنفيذية هذه الوضعية المتفجرة وسمحت من حيث تدري أو لا تدري بدخول الإطراف الأجنبية على الخط لا فقط للتشاور– وهذا مطلوب – بل لبداية رسم ملامح خارطة طريق لم نعد نتحكم فيها إلا شكليا ..
ما الذي تقوله لنا الأطراف الخارجية المالية والسياسية ؟
تقول لنا بداية أنها لن تواصل دعمها لتونس دون حصول استقرار سياسي أي تفاهمات بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة، وأن هذه الإطراف الخارجية ليست مستعدة لإضاعة وقتها في خزعبلات حول تأويل الدستور يكون ضحيتها الاستقرار السياسي للبلاد..
وتقول لنا أيضا أن الأساسي هو تحديد السياسات العمومية وفي القيام بالإصلاحات الضرورية لإيقاف نزيف الإنفاق العمومي،وهذه الإصلاحات ستكون موجعة لا محالة للأجراء وللطبقات الوسطى لأنها ستفرض علينا فرضا الخفض من الإنفاق العمومي وتغيير هيكلة ميزانية الدولة للحدّ من هذا التداين الجنوني وسيكون ذلك حتما على حساب نفقات التصرف وبعض التدخلات الاجتماعية أيضا ..
ولكن الأطراف الأجنبية لن تكتفي بهذا فهي ستشترط حتما انخراط كل القوى السياسية والاجتماعية في هذه الإصلاحات العميقة والمكلفة أيضا كما أنها ستطالب بقوة بوضوح في قيادة البلاد وفي قدرتها على إنقاذ هذه الإصلاحات والمسك الفعلي بزمام الأمور وبتهدئة المناخات السياسية ما أمكن وان دعم الدول والجهات الأجنبية لتونس سيكون وفق الالتزام الجدي والمتواصل بحزمة الإصلاحات هذه ..
كل هذا لا ينبئ بالطبع على طبيعة تصرف رؤساء قبائل البلاد ومشائخها، ومدى وعيهم اليوم بالخطورة القصوى للوضع أم أنهم سيتمادون في سياساتهم العبثية السابقة ..
كم حذّرنا وكم حذّر غيرنا أن ما لا نقبل بالتنازل لبعضنا البعض سنضطر للقبول بما هو أسوأ منه ولكن إزاء القوى الأجنبية ..
إننا نجني اليوم حصاد سياسات الهواة والانتهازيين وعديمي الكفاءة والمحلقين في كواكب زحل والمريخ ..والآن سيلاحق مبدأ الواقع الجميع بلا استثناء .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115