وهل يتسنّى لهم بالفعل، تصحيح مسارهم وصون كرامتهم ومكانتهم واستعادة هيبتهم أم «فات الميعاد»؟ وهل بإمكان أحدهم أن يتحلّى بالشجاعة والجرأة فيغادر الساحة السياسية بإرادته قبل أن تلفظه الجماعة و«يفرد إفراد البعير الأجرب»؟
إنّ ما نراه اليوم من تشبث مرضيّ بالمناصب بالرغم من كثرة العثرات والزلاّت والأخطاء الجسيمة يقيم الدليل على أنّ اللاعبين السياسيين لم بفشلوا في بناء صورة إيجابية تضمن لهم احترام الناس فحسب بل إنّهم عجزوا عن إيجاد خطّة تضمن لهم الخروج «اللائق». ويكفي أن نشير في هذا السياق، إلى محنة الغنوشي، وهو يعتلي كرسي مجلس الشعب متوهّما أنّ بيده مفاتيح الكون وأنّه قد حقّق أبّهة الملك والحال أنّه يعلم علم اليقين أنّه قد خسر ماء الوجه. فمن قواعد اللعب السياسيّ الذي اعتمدته عبير موسي ممارسة الضغط النفسي اليوميّ حتى تربك الخصم فتجبره على ارتكاب الأخطاء والتجاوزات، فضلا عن العمل المستمر على تدمير صورته ونسف إنجازاته محليّا وعالميّا، وهو الذي دفع أموالا كثيرة للتسويق لصورته وتلميع صورة حزبه . ولم يكفها ذلك بل تعمّدت إهانة الغنوشي أمام أتباعه وأمام الرأي العامّ. ولا يخفى أنّ سياسات الإذلال والإهانة لا يستهان بها في إذ تعتني العلوم السياسية والعلاقات الدوليّة بتحليلها ودراستها.
وها هي وسائل الإعلام العربية تسرد النوادر، وتنقل العراك وتتوسّع في نشر «الغسيل» محقّقة الفرجة والمتعة لجمهور رأى كيف «تكوّر» امرأة بشيخ كانت له صولات وجولات من السودان إلى بريطانيا وغيرها من البلدان. فماذا بقي من صورة «الشيخ المفكّر» ورئيس الحركة المبجّل «سيدي الشيخ»؟ وكيف سيذكره قومه «اذا جدّ جدّهم»؟ وما وقع سياسات الإذلال والإهانة على نفس من حلم بأن يكون ذات يوم «الزعيم»؟
لا نخال أنّ الّذين خسروا ماء الوجه واحترام الجمهور لهم قادرون اليوم على لبس قناع جديد أو الاستمرار في التظاهر باللامبالاة وعدم الاكتراث. فمن أثبت على امتداد السنوات، أنّه عاجز عن أن يكون سياسيّا وصاحب مشروع وطنيّ لا يمكنه أن يتحوّل في مدّة وجيزة، إلى محنّك وقس على ذلك كلّ الّذين يحاولون التغاضي عن الانتقادات اللاذعة التي تُوجّه إليهم والنعوت التحقيريّة التي تحاصرهم بل الشتائم التي تحاصرهم في الاحتجاجات. يكفي أن نتذكّر هتافات الشبّان والشابات في جميع الأحياء والشوارع والساحات والنعوت التي لحقت «المشيشي» لندرك كيف تتحوّل الهتافات إلى أداة وصم تلاحق المرء حتى الممات. ومع ذلك يستمرّ الرجل في اللهث وراء من يضمن له المنصب حتى وإن كانت الضريبة المقدّمة:خسارة ماء الوجه.
ينشغل اللاهثون وراء المناصب بالسعي المحموم وراء السند القانوني التشريعي الذي يضمن لهم السلطة فلا يبادرون برفض الوزارة التي كلّفتهم خسارة ماء الوجه وهذا أنموذج آخر في إيثار النفس على حساب المصلحة الوطنيّة وأنماط أخرى من ممارسة العمل السياسيّ ترسّخ الانتهازيّة وتفضح ما يعتقده بعضهم فالكرامة ليست قيمة متجذرة لديهم . وأنّى لمن اعتبر السلطة غنيمة أن يفهم احتجاجات شعارها «خبز حريّة كرامة وطنيّة»؟ وأنّى لمن رأى أنّ المنصب يُغري بما يوفره من امتيازات أن يدرك أنّ الفقر المادي لا يشين صاحبه/ته بل يحفّزه على الثورة على الذين يصرّون على إذلاله والحطّ من كرامته؟
ومادام السياسيّ قد فقد ماء الوجه وضحّى بكرامته في سبيل السلطة فركض وراء من شكّلوا «الحزام' فإنّه لم يجد حرجا في تشديد القبضة البوليسية وممارسة الانتهاكات والعبث بما تحقّق من مكاسب.. إنّ الفقر الحقيقي هو خسران الذات والافتقار إلى ما يضمن ماء الوجه ويحفظ كرامة المرء.
حفظ مــاء الوجــــــــــه
- بقلم امال قرامي
- 11:22 12/02/2021
- 1515 عدد المشاهدات
كيف يمكن لعدد من الفاعلين في المجال السياسيّ حفظ ماء وجوههم بعد أن «طلعت ريحتهم» وكُشفت عوراتهم؟