داخل المجتمع الأمريكي أو في مستوى تأثّر العلاقات الدولية والاقتصادية والأمنية بالسياسات الخاصّة التي سيصوغها من فاز في الانتخابات، والتي سيكون لها بالضرورة، انعكاس على أوضاع العرب والمسلمين في عدّة بلدان من العالم. ويدرك المتابعون لانتخابات 2020 أنّها ذات «نكهة» خاصة، وهو أمر راجع إلى شخصية «ترامب» المثيرة للجدل، وتصريحاته الصادمة وسلوكه غير المتوقع وردود أفعاله الغريبة، وخطاباته وتعليقاته على «تويتر» المرسّخة لشعبوية سياسية وثقافية واضحة المعالم، وهي شعبوية باتت تجذب المتابعين وتدفعهم إلى الاعتراف بعناصر التسلية والفكاهة في مسار الانتخابات الأمريكية.
أمّا المحلّلون العرب والإعلاميون والدارسون فقد ألفوا تناول الحدث الانتخابيّ وما يطرحه من إشكاليات كأساليب الدعاية السياسية، والخروق القانونية، والتغطية الإعلامية المنحازة، والعلاقة بين المترشحين...من زوايا نظر متعدّدة منها: ما يتصل بالعلوم السياسية والدراسات القانونية ودراسات الميديا، وغيرها. ولكن قلّما يتوقّف هؤلاء عند علاقة الانتخابات بسياسات الهويات والخلفية الجندرية في تقاطعها مع العرق والدين والسن والتوجهات الجنسانية وغيرها رغم أنّ الجدل قد احتدّ منذ أسابيع حول مجموعة من المترشحات للكونغرس اللواتي اعيد انتاخبهنّ بنسب عالية ضد مرشحين جمهوريين نذكر على سبيل المثال المسلمتين إلهان عمر(من أصول صومالية - محجبة) ورشيدة طليب (من أصول فلسطينية) (عن ولايتي ميشغان ومينيسوتا) وقد عرفتا بالحضور الملفت للنظر داخل الكونغرس، وذلك من خلال الانتقادات الشرسة لسياسات «ترامب».
إنّنا إزاء جيل جديد من النساء اللواتي قاومن التمييز المركّب على أساس الجندر والدين والعرق والسنّ... ونجحنّ في كسب المعركة الانتخابية من جديد، وانتزاع الاعتراف. وقد استطعن دخول موقع صنع القرار والتأثير في الجماهير والتفاوض مع سلط أخرى على قاعدة المواطنية الكاملة والقانون فخرجنّ من الهامش إلى المركز ومثلّن الزعامة النسائية بامتياز.
أمّا «مجتمع الميم» «community LGBT» كعابري الجنس وغيرهم فقد سجّلوا/نّ حضورا فاعلا وبشكل غير مسبوق في المسار الانتخابي، وامتلكوا/ن الصوت في مواطن صنع القوانين والسياسات نذكر على سبيل المثال Mauree Turnerموري تورنر المترشحة عن ولاية أوكلاهوما Oklahoma التي استطاعت فرض نفسها، ودافيد أورتيز David Ortiz ( المترشح عن كولورادو) bisexualوهو « مزدوج الميول الجنسية» ومن ذوي الاحتياجات الخصوصية.
وفي مقابل الإرباك الحاصل على مستوى سياسات الهويات وفق ثنائيات :العزل/الإدماج، الفصل/الوصل، التهميش/الاحتواء ... والذي أفضى مؤخرا إلى خضوع المشرّع وعدد من «صناع السياسة» لمطالب الجمعيات الناشطة في المجال الحقوقي والداعية إلى «ديمقراطية المجتمع الإدماجي» تشير الانتخابات الأمريكية إلى بروز نشاط مكثّف للحركات المعادية لحقوق النساء وشنّها حملات ضدّ كلّ مرشّح يقبل بمنح النساء حقّهنّ في الإجهاض إضافة إلى تشكلّ حركات جديدة نذكر من بينها «أولاد فخورون» PROUD BOYS التي تعدّ حركة قومية متطرّفة، وقد منعت من النشاط في شبكات التواصل الاجتماعي بسبب خطابها الداعي إلى كره النساء، والمهاجرين والحركات النسوية...وبالرغم من ممارستها للعنف وسعيها إلى ترسيخ الأيديولوجيا الذكورية فإنّ «ترمب» اعتبرها من بين الحركات الداعمة له في حملته الانتخابية إذ لا يمكن لأمريكا أن تسود العالم دون صناعة ذكورة مهيمنة.
إنّ ما يجري ليس على هامش الانتخابات بل هو في صلبها وهو يشير إلى تصوّر جديد لسياسات الانتماءات والهويات والقوميات وغيرها إذ حضر السود وعابرو الجنس وعدد من المسلمات والإثنيات وأصحاب الجنسانيات المغايرة وأصحاب الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وهو ما يضع المجتمع الأمريكي أمام تحديات كبرى من أجل إدارة فنّ العيش معا في مناخ اتّسم في السنوات الأخيرة ،بالصراعات والعنف والإقصاء. فهل ستتمكّن الولايات المتحدة الأمريكية من اجتياز الاختبار الداخليّ وبناء مجتمع منسجم أم أنّها ستدخل مرحلة تاريخية جديدة «يتصدع فيها البنيان» ويتلاشى فيها الحلم الأمريكي وأسطورة الرجل الأبيض؟