متراجعا عن تعهداته: المشيشي في حضن من الأشــواك

لن نعود إلى تعداد كل ما تعهد به المشيشي عند تكليفه من رئيس الجمهورية بتشكيل حكومته، لأن ذلك يعلمه الخاص

و العام عندما رفع المشيشي راية حكومة كفاءات بلا أحزاب كشعار لمجابهة مرحلة جديدة بعد استقالة سلفه إلياس الفحفاخ .
و لن نُفرد إئتلاف الكرامة كتشكيلة مستقلة بذاتها باعتبارها سَليلةَ حركة النهضة كبقية التيارات ذات التوجهات و الخلفيات الدينية المنغلقة الّتي تدور في فلكها، أُسوَةً بالتنظيمات المماثلة الّتي تتخذها حركة النهضة مرجعا لتجربتها السياسية ، التي تبحثُ عن أذرع احتياطية إلى جانب الواجهة الّتي تريد أن تسوّقها في الدّاخل والخارج .
لذلك نعتبر أن «لعبة النار» الّتي يجد المشيشي نفسه إزاءها، تنحصر في حلبة حركة النهضة وقلب تونس، اللذين يتنافسان على التحكم في إرادة رئيس الحكومة بعد أن توصلا - إلى حد اللآن على الأقل - إلى فصل الصنيعة عن الصانع ،في إعادة هزلية لما حصل بين المرحوم محمّد الباجي قائد السبسي و يوسف الشاهد.
هذا الحضن المزدوج للميشيشي ليس مريحا لا للمشيشي و لا لحزب النهضة ولا لحزب قلب تونس، بإعتار أن حزبي الأغلبية البرلمانية يهادن بعضهما البعض و يتظاهر كل طرف منهما بما لا يضمر ، لذلك لا يتوانى أي طرف في دفع المشيشي نحو «قشور الموز» كي ينزلق نحو ما يرضاه الشعب ، ولوضعه أمام حقيقة هشاشة موقعه وحدود تحركاته و تعزيز إمكانية التحكم في مصيره.
فبعد أن دفعت حركة النهضة بمن تريد في دائرة مستشاري المشيشي وفي مقدمتهم أسامة الخريجي من عائلة راشد الغنوشي الخريجي، وزير الفلاحة في حكومة الفخفاخ، و الّذي صعد على أنقاض عمادة المهندسين بعد تفكيك قيادتها الشرعية ، ضبطت ترتيب دوائر وزارة العدل بتسميات على المقاس في المراكز الحساسة ، ثمّ ظلت تتفرّج بسلبية مع تململ بعض أعضائها ،في مخرجات تنقيح المرسوم عدد 116 المنظم للقطاع السمعي البصري المدفوع من قلب تونس وبالتحديد من الأخوين القروي ، الّذين أوقعا المشيشي في فخ «حرية الإعلام» و تركاه في حالة إرتباك و ضعف في مواجهة كل مكونات المجتمع المدني و بقية الأحزاب ورئاسة الجمهورية و كل المنظمات المهنية و النقابية تقريبا، فتقاسم حرارة الصفعة مع حاضنيه و اللّوبيات المالية الّتي تدعمهما. هذه الصفعة كانت الدرس الأول من مغبّة السير في ركب النهضة و حلفائها، المتفننة في تطبيق «بيع القرد وإضحك على شاريه » ولعل استيعاب المشيشي لهذا الدرس سيدعوه إلى مراجعة حساباته و التمعن في التاريخ القريب لمواقف النهضة وحزب قلب تونس.
هذا الأخير سبق لزعيمه أن صرّح بمجرد أن عقد تحالفه مع حركة النهضة أن تحوير تشكيلة الحكومة سيقع بعد تمرير الحكومة الحالية، وذلك بلغة المُتيقن وبلهجة الماسك المتمكن بالخيوط السياسية.
ولكن لا ندري هل أن هذه الّلهجة تعني أن قلب تونس ضامن لتأييد المشيشي له ،أم تقرأُ بان هذا الحزب لا يضع في الإعتبار موقف رئيس الحكومة؟
والجدير بالملاحظة أن رغبة قلب تونس في أخذ نصيبه من السلطة تجعله يسعى لتركيز أتباعه في المراكز الّتي يعتبرها حسّاسة ومتاحة ، و يساوم إستنادا لإمتلاكه إمكانية قلب موازين الأغلبية البرلمانية . إذ يكفي أن يتنصل هذا الحزب بمكوناته القديمة والجديدة، من التحالف البرلماني، لتجد النهضة نفسها «معلقة بين السماء والأرض» وهو ما يجعلها تضع ضمن أولويتها عدم فك الخناق على قلب تونس بكل الطرق بدءا بالاختراق وزرع بذور التفرقة، نهاية، باستمالة نواب قلب تونس بكل وسائل الترغيب والترهيب و شراء الذمم كما صرّح بذلك النائب راشد الخياري، ومحاولة قطع الجسور الآمنة بين قلب تونس و المشيشي، لتجنب الانقلاب عليها و حشرها في الركن المُميت .

إن الركن المُميت الّذي يزرع الهلع في النهضة هو احتمال انحياز قلب تونس بكل مكوناته إلى معارضيها ، و إنجاح دعم المشيشي من معارضيها بإسناد نيابي أغلبي جديد يتركها على الهامش ، لذلك تعمل على الدوام على بث نوازع التفرقة و إشعالها وإستغلال نقاط ضعف معارضيها و استفزاز الحزب الحر الدستوري على الدوام للمحافظة على جو التوتر و عدم الإستقرار، دون أن تكون معنية بأوضاع البلاد .
إذن لا منقذ للمشيشي و حكومته غير تسجيل نقاط إيجابية في سياسته وترجمة ذلك على أرض الواقع بحلول ملموسة لأهم الإشكاليات المطروحة الّتي سبق أن ذكرنا أهمها في قطاع الطاقة والمناجم و إيجاد الحلول العاجلة لما يطرأ بين الفينة والأخرى، مع تعديل بوصلته و التحسب من فخاخ حاضنيه ، مع إنتظار معجزة في مجلس النواب تعيد ترتيب الأوراق.
هذه الأوراق هي في الحقيقة ألغام تتحاشاها النهضة، على أرضية متعدّدة التضاريس والنتوءات ، لأنها تجابه في الداخل صراعات بسب تشبث زعيمها بمركز القيادة الفعلية ، ممّا يجعلها مجبرة على تأجيل مؤتمرها وربما التضحية بالتخلي عن رئاسة مجلس نواب الشعب ، لتركز كل مجهودها على إبقاء الحضن الّذي يحتمي به المشيشي مليئا بالأشواك ،و على جعل ممرات قلب تونس غير مريحة و غير آمنة ، مع التحسب من ردود فعل رئيس الجمهورية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115