في انتظار الإعلان عن تشكيل حكومة المشيشي رهان حكـــــومة بلا أحـــزاب

لم تعد تفصلنا إلاّ ساعات عن معرفة قائمة حكومة السيد هشام المشيشي رئيس الحكومة المكلف من طرف رئيس الجمهورية .

هذه القائمة الّتي ستطّلع عليها الأحزاب دون أن تكون ممثلة فيها ، ستكون محل نظر لإتخاذ المواقف التي تراها مناسبة عند التصويت على منح الثقة من قبل الكتل البرلمانية أو حجبها.
في نفس الوقت يبدو رئيس حكومة تصريف الأعمال السيد إلياس الفخفاخ ساعيا إلى تسجيل ختم فترته - في الوقت بدل الضائع - بلقاء رئيس مجلس نواب الشعب لطلب عقد دورة برلمانية إستثنائية للنظر في مشروعي قانونين للتنشيط الإقتصادي و إدماج القطاع الموازي و مقاومة التهرب الجبائي ومشروع قرض من البنك الإفريقي. كما قد - يكون بذلك - يسعى إلى النسج على منوال بعض أسلافه بتصفية - حساباته - مع من يعتبرهم خصوما له و ربما بتعيين مقربين له قبل تسليم عهدة رئاسة الحكومة لخلفه.
في خضم كل هذا اطلع الرأي العام على ما سمّي بتسريبات عن تشكيلة الحكومة المنتظرة والّتي تمّ نفيها ، و بقت مجرّد تخمينات ، لذلك لن نخوض في ما تمّ تداوله لعدم وجاهة اعتماد «التسريبات» في التحليل السياسي ، ولكن سنستندُ على التمشي الّذي إختاره رئيس الجمهورية بتكليفه للشخصية التي اعتبرها الأقدر لتشكيل الحكومة الثانية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لسنة 2019 ، وعلى التصريحات الّتي أدلى بها السيد المشيشي بخصوص الجزم بعدم تسمية أي شخصية منتمية هيكليا لأي حزب سياسي ، و هو ما يعني أن تكون الحكومة المقبلة حكومة كفاءات مستقلة مائة بالمائة . و لكن هذا لا يعني استبعاد كل الوزراء الذين كانت لهم حقائب في الحكومة المتخلية ، بل من المنتظر أن يقع الإبقاء على قلة قليلة منهم لتوفر شرط الاستقلالية فيهم .

و الجدير بالذكر أن توصيف الحكومة المنتظرة بحكومة كفاءات ، لا ينفي أن يكون الوزراء المنتظرون منتمين لمدارس فكرية في الإدارة والتصرف ، و هو ما سيثير ردود فعل من مختلف الأحزاب و المتابعين للحياة السياسية بمجرد إطلاعهم على قائمة المعينين ، الّذين سيخضعون لعملية تدقيق عامّة، يمكن أن تسفر عن تعديلات جزئية إذا تراءى لرئيس الحكومة المكلف وجها لصحتها.
ولكن ستكون التعيينات مرتبطة بتطبيق الأولويات الّتي سيتضمنها برنامج رئيس الحكومة المكلف وسيتمحور حولها التشاور الأخير بعد بسط ملامحها عند عرض وزراء حكومته على مجلس نواب الشعب لطلب منحهم ثقة النواب .
هذه الثقة ستكون سهلة المنال لقناعة كل الأحزاب السياسية تقريبا،بأن الظرف لم يعد يسمح بتمطيط حالة شبه الفراغ التي تعيشها البلاد في ظروف إقتصادية صعبة جدّا ، ولتخوّف الأحزاب الأكثر تمثلية في البرلمان من حل البرلمان و الدخول في إنتخابات جديدة لم تعد مالكة لمخرجاتها وغير متيقنة من ضمان نتائجها. بالإضافة إلى ذلك، تبقى حركة نهضة والمتحالفون معها – إذا لم يصدّع إئتلافهم - مالكين لورقة سحب الثقة من الحكومة بعد ستة أشهر ،إذا أجمعوا على عدم رضاهم على الأداء الحكومي.
كما أنه من المرجح أن تكون الحكومة مصغرة بهدف إضفاء النجاعة و الانسجام في العمل و تجنب تضارب المواقف الناجم عن إختلاف التوجهات السياسية كما حصل ذلك في حكومات سابقة . و هذا يعني أننا سنكون إزاء أقطاب كبرى ، على أن يقع بعث عدة إدارات عامة و ربما دواوين خاصة ببعض القطاعات الهامة إثر ذلك .

هذه التوجهات ستميّزُ الحكومة المنتظرة، التي ستواجه إرثا صعبا و تحديا كبيرا، لإخراج تونس ممّا هي فيه ، في ظروف داخلية ودولية متأزمة بسبب المستجدّات الّتي خلقتها مجابهة وباء كوفيد 19 الّتي تستنزف طاقات كثيرة.
إن الشخصيات المنتظر الإعلان عنها لن تكون نكرة خاصة في وزارات السيادة ، بحكم صعوبة المهام الّتي تنتظرها في هذا الظرف الحساس ، و أمام المعادلة الصعبة الّتي وضع فيها المشيشي بسبب التخلي عن الأحزاب السياسية، سواء الّتي كانت ممثلة في ائتلاف حكومة الفخفاخ أو خارجها .
هذا التخلي لم يفرضه رئيس الجمهورية الّذي كلف الشخصية الأقدر لإدارة المرحلة المقبلة لمجابهة حالة إستثنائية أو ظرف طارئ ، و إنما أضحى خيارا سياسيا فكريا ، يُستبعدُ فيه دور للأحزاب السياسية .
من هنا تبرز صعوبة الرهان الّذي ينتظر الحكومة الجديدة ، الّتي سنتعرّف على ملامحها في الساعات القادمة ، و الّتي ستتحمّل من جهة ،عبء الحد من الأزمة الّتي تعيشها البلاد على الصعيد العملي ،و من جهة أخرى ستخوض تجربة خيار حكومة الكفاءات دون الأحزاب الفائزة في الإنتخابات التشريعية ،و دون التوافق الّذي ميز طريقة الحكم في الفترات السّابقة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115