الأداء السياسيّ طريق لانتزاع الاعتراف

من المهمّ رصد أداء الفاعلين السياسيين لتبيّن فاعليتهم وحضورهم وخطابهم وتموقعهم/نّ ومن ثمّة تقييم أثرهم في المشهد السياسيّ ككلّ ،

ورصد تمثّل الناس لهم ومدى ثقتهم بهم. ويُعدّ تقييم الأداء المحرار الذي يسمح بترتيب سلّم التوقعات واستشراف ما سيحدث في التجربة السياسية من تحوّلات على مستوى الانتخابات وغيرها. وهنا لابدّ من طرح سؤال: كيف أمكن لعبير موسي في ظرف زمنيّ قياسيّ، أن تنتزع اعتراف من كانوا يُكنّون لها العداء ويعتبرونها الخصم اللدود؟ وكيف تسنّى لها أن تستحوذ على اهتمام التونسيين بقطع النظر عن تقييمهم لها، وتصبح موضوع مسامرات ونقاشات وتعليقات وتدوينات ، بل ‹ظاهرة› تستحقّ الدرس؟

من الثابت أنّ ‹موسي› استطاعت أن تغيّر المنمطات الجندرية في سياق لازالت فيه التونسيات تناضلنّ من أجل تمثيلية منصفة في دوائر السلطة، ومن أجل تغيير العقليات التي لازالت تنظر إلى المترشحات بعين الريبة أو الاستنقاص ...فلا تراهن عليهنّ. فإذا «بموسي» تُقيم الدليل على أنّ قيادة النساء للأحزاب ممكنة وذات نجاعة بل هي مختلفة عن الأشكال التقليدية لإدارة الأحزاب. ولا يسمح الحيّز المتاح لهذه الافتتاحية، بالتعمّق في الطابع الذكوريّ لهذه القيادة وبالتمثلات التي ترسّخ تماهي كلّ امرأة ناجحة مع القيم الذكورية المعيارية ( أرجل من ألف رجل، عبير الأسد، عبير مثال الرجلة، ....)غاية ما يعنينا رصد العوامل التي سمحت «لموسي» من مضاعفة عدد أنصارها واستقطاب من كانوا ينتقدونها وشدّ انتباه المتردّدين في الاصطفاف وراءها.

يُقرّ الجميع بامتلاك «موسي» ناصية فنّ التواصل والكفاءة الخطابية وقدرتها على التأثير في الجموع من خلال البيان والفصاحة والتمكّن من تنظيم الأفكار وبناء الحجج والبراهين والاستدلال إضافة إلى تميّزها بالجرأة والتحدّي. ولئن اشتركت مع زملائها في قطاع المحاماة في عدد من هذه المميّزات فإنّ الانتقال من المحاججة في أروقة المحاكم إلى الحضور في الساحات العامّة والفضاءات السياسية باعتبارها الشخصية المجادلة والخطيبة والمواجهة.. مكّنها من إثبات وجودها وبناء شخصية كارزماتية و انتزاع لقب «القائدة» والمخططة والمدبّرة وصاحبة مشروع استئصال النهضة، وهو الرهان الذي حدّدته منذ الانتخابات وبدأت بالفعل في تنفيذ ما وعدت به.

غير أنّ تميّز أداء السياسي لا يتوقّف عند أشكال التواصل والحضور والتأثير بل يتجاوز ذلك إلى تحصيل المعرفة بالموضوع والقدرة على التقصّي والتحرّي وامتلاك الحجج والمستندات وعرضها على الجهات المختصة في تسلسلها الإداري، أي احترام الإجراءات القانونية ، ومن هنا تبدو «موسي» بعيدة عن الثرثرة والاتهامات›القولية› وتدبير المؤامرات.. قادرة على تقديم الإثباتات والبراهين ومجسّدة لمبدأ احترام علوية القانون ودولة القانون، ومؤسسات الدولة في سياق سياسي تاريخي اتسم بالعبث بالقانون وخرق القانون والإفلات من العقاب والتحايل على القانون. و«موسي» إذ تختار هذا التمشيّ تجبّ الماضي وتتلاعب بالذاكرة من جهة، وتعزّز ثقة أصحابها والمعجبين بها بالقانون وتثبت لهم أنّها قادرة على أن تكون امرأة دولة، من جهة أخرى.

وإذا كانت إكراهات السياسية تفرض على السياسيين تقديم التنازلات وغض الطرف عن الفساد، والتهريب والترهيب... والتفاوض وفق مبدإ «امتلاك الدوسيات: تورّي نورّي» فإنّ «موسي» تبدو خارج هذه الرهانات فموقع المعارضة الشرسة يسمح لها بأن لا تتفاوض مؤثرة الوفاء لبرنامجها على نيل السلطة وهي بذلك تفضّل العمل على المنجزات التي ستتحقّق على المدى البعيد.

وبصرف النظر عن الإشكاليات التي يطرحها تاريخ «موسي» ومسيرتها الملتبسة وطريقة تسييرها للحزب ومدى استيعابها للممارسات الديمقراطية التشاركية والإدماجية وموقفها من قضايا جوهرية ، وطريقة احتجاجها...فلا أحد باستطاعته أن يتجاهل «الأثر» الذي يصاحب أداءها السياسي في البرلمان وخارجه أو أن يتجاهل الموقع الذي احتلته في هذه المرحلة، والذي يجعل أغلب «الأطراف» تفكّر سرّا وجهرا، لا في تدبير الاختلاف معها بل في أشكال «التخلص» منها وهنا تطرح معضلة سبل الانتقال من تجربة الحزب الواحد إلى أسس التعايش بين الأحزاب المتنوعة لا على قاعدة الاستقطاب بل على قاعدة التنافس من أجل أداء سياسي أفضل. إنّه الاختبار الحقيقي...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115