لا متسيسين «كمبانة» ولا تكنوقراط تقنويين: الكفاءة.. الكفاءة...

عاشـت جمهوريــــة «الفايس بوك» وأحوازها على وقع تسريبات - كل المعطيات تشير إلى كونها جدية - حول تعيين قياديين من حركة النهضة

كمستشارين لرئيس الحكومة. وربط العديد من التونسيات والتونسيين بين هذه التعيينات الجديدة وبين التضحيات أو «التبرعات» التي تطالب بها حكومة الفخفاخ عموم المواطنين.
لا جدال في ضرورة أن يكون لرئيس الحكومة، وهو رئيس الإدارة، ديوانا ومستشارين، والاشكال في تقديرنا لا يكمن في العدد ولا كذلك في الامتيازات الممنوحة لهؤلاء، الاشكال يكمن في فلسفة الاختيار وفي الجدوى المرتقبة من هذه التعيينات وفي تأقلم تكوين الديوان مع الأولويات الجديدة للبلاد.
بداية ما هو دور ديوان رئيس الحكومة في نظام سياسي كنظامنا؟

لن نتحدث هنا عن النصوص القانونية أو الترتيبية ولكن عن المهام العامة وعن انخراط ديوان رئيس الحكومة في فلسفة العمل الحكومي.

رئيس الحكومة في تونس هو رئيس الإدارة ولكن رئاسته لا تمارس دوما بصورة مباشرة بل يُتوسط لها أساسا بالحكومة أي بالوزراء المباشرين لحقائب وزارية فهم الرؤساء الفعليون للإدارة التونسية في مختلف مستوياتها الوطنية والجهوية والمحلية بل وينضاف إليهم على المستويين الجهوي والمحلي الولاة والمعتمدون الترابيون، هذه اجمالا هيكلة السلطة التنفيذية التي تعود بالنظر إلي رئيس الحكومة ودور صاحب القصبة هو بداية ولا شك السهر على حسن انسيابية هذه المنظومة وطنيا وجهويا ومحليا وأنها تشتغل وفق التنسيق اللازم كلما كان ذلك ضرورريا وهذا يحتاج إلى إدارة التنسيق وأيضا إلى تحكيم مستمر كلّما نشب خلاف في وجهات النظر أو في بناء سياسات عمومية عملية تقحم عدة وزارات على مستوى التنفيذ والانجاز.
في تونس يعود الجزء الإداري لهذا العمل لشخصين أساسيين وهما الكاتب العام للحكومة ومدير ديوان رئيس الحكومة، فلهما يعود التسيير العادي لدواليب الإدارة في الحالات العادية.

ولكن الحكومة - كل حكومة - لا يمكنها التوقف فقط على التسيير اليومي لمختلف مصالحها بل عليها أيضا أن تعطي التوجهات العامة للسياسات العمومية وللاصلاحات التي تريد البلاد الانخراط فيها تدريجيا، وهنا يأتي - نظريا - دور المستشارين فهم يشتغلون على ملفات عادة ما تكون أفقية - أي تهم أكثر من وزارة بعينها - والمطلوب منهم أيضا طبخ التوجهات الكبرى ودراسة امكانيات انجازها وجمع كل المعلومات والتأليف بينها واقتراح سياسات عمومية جديدة غير تلك التي تشتغل عليها مصالح وزارية بعينها وإلا كان ذلك من باب اضافة مستوى ثان من التسيير البيروقراطي لا غير.

المستشار في نظام حكم كالذي يسري في بلادنا هو بمثابة مجموعة تفكير وقوة اقتراح وقدرة على وضع مخطط عمل لسياسة عمومية كلية (كالتحول الرقمي مثلا) أو جزئية (تحديد ما هي الأقاليم الممكنة وفق نص الدستور وما هو التقييم الإداري الأفضل تنمويا).

والواضح أن المستشار بهذه المقاييس العامة لا يمكن له أن يكون من «كمبانة» السياسة فحسب، ولا أيضا من التكنوقراط التقنويين، بل يفترض فيه قدرة على التفكير العملي سابقة على تعيينه في الشأن العام وفي الاصلاحات التي تستحقها البلاد، وأن تكون لديه المعرفة الضرورية الدنيا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وأن يقبل على تكليفه الجديد بكل هذه المعارف النظرية والعملية الضرورية لاعطاء معنى للسياسات الحكومية.

والسؤال الوحيد المفيد الآن هو هل أن التعيينات السابقة إو اللاحقة في ديوان رئيس الحكومة (وكذا الشأن في ديوان رئيس الجمهورية ولكن بمواصفات مختلفة) خضعت لهذه المقاييس أم أنها خضعت - في بعضها على الأقل - لمنطق المقايضة أو المحاصصة الحزبية؟

نحن لن نتحدث عن «ديوان» رئيس مجلس نواب الشعب لأنه أصبح نوعا من المكتب السياسي الموازي لحركة النهضة فقط لا غير ولكن نتحدث عما نعتقد أنه الديوان الأهم والذي يمكن أن يكون منطلقا لاصلاح جدي للبلاد أم لو تحول جزء منه إلى «برلمان مواز» يعينه زعماء «الحزام السياسي» ترضية لزيد أو جبرا لخاطر عمرو فهذا هو العبث بعينه..
نحن نتحدث هنا عن الوضع العادي لسير دواليب الدولة أما لو أضفنا إلى ذلك الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وضرورة أن توظف كا الامكانيات المادية والبشرية لتجاوز هذه الأزمة بأخف الأضرار عندها ستكون هذه الترضيات بمثابة اهدار المال العام لا بالنسبة لحجمها ولكن بمعانيها ومغازيها...

لن يعلق أحد عاقل على ديوان رئيس الحكومة حتى لو ضم مائة مستشار لو تم انتدابهم جميعا وفق معيار الكفاءة العليا في التفكير والاقتراح والتسيير، بل سيكون ذلك مؤشرا على أن خيرة بنات وأبناء البلد هم بصدد القيام بالمهام الانقاذية والاصلاحية المطلوبة.. أما ما سوى ذاك فيكون فقط مجرد «وفاء» لالتزام مع أحزاب «الحزام السياسي»، التزام تجاوزه الزمن بحكم هذه الجائحة التي وضعت الياس الفخفاخ في حل من كل هذه الحسابات السياسوية الغنائمية وما عليه إلا أن يثبت أنه رجل التحدي والاصلاح وان أغضب ذلك بعض حلفائه، لا رجل الترضيات والمحاصصات لأنه لن يرضي «نهم» بعض الأصدقاء وسيفوت كذلك على البلاد الانخراط الجدي في الاصلاح، إذ لا اصلاح دون ثقة ولا ثقة مع بقاء المحاصصات الحزبية والزبونية.

• غدا الحلقة الثانية من سلسلتنا حول «الإسلام التونسي»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115