من يملك قرار الخروج التدريجي من الحجر الصحي: الطبيب أم السياسي ؟

قد يبدو سؤالنا حول من يملك قرار الخروج التدريجي من الحجر الصحي غير ذي معنى إذ تعود كل القرارات العامة إلى السياسي

حتى وإن استندت جلها ـ أو هكذا ينبغي لهاـ على أراء المختصين والمعنيين بموضوع القرار، ولكن في موضوع الحجر الصحي الموضوع مختلف تماما.
إعلان الحجر الصحي قرار سياسي ولاشك ولكن لا معنى له إن لم يستند إلى رأي العلماء والمختصيين في الأوبئة، وفي تونس كان الأمر كذلك إذ نصح العلماء بضرورة الاستباق فاستبقت السلطة السياسية وأعلنت قرارها والعدوى في بلادنا مازالت في بداياتها.. ولكن اليوم من عليه أخذ القرار أو بالاحرى ماهي مرتكزات القرار الضروري، اليوم أو غدا، للخروج التدريجي من الحجر الصحي الشامل؟

رأي المختصين ضروري ولكنه في هذه الوضعية لن يفيد الا في الجزئيات والتفاصيل لا في أصل القرار بالسلب أو الايجاب، إذ يعلم القاصي والداني أن الوضع الوبائي مازال منذرا بالخطر رغم ما يبدو من تحكمنا فيه خلال هذين الأسبوعين الأخيرين، ثم لا أحد يعلم يقينا كيف ستتطور الحالة الوبائية بمواصلة الحجر أو برفعه والكل يعلم أن الحذر الشديد هو الواجب إلى حين توفر الدواء واللقاح لكل التونسيين أي من اليوم إلى نهايات سنة 2021 على الأرجح..

الصورة واضحة حتى بما يتعلق بالمجالات المجهولة لدى أصحاب القرار منذ فترة واستشارة أهل الاختصاص ضرورية ولكن هل بإمكانها تحديد القرار السياسي الذي ينبغي على مجلس الأمن القومي ـ وبصفة أدق السلطة التنفيذية ـ اتخاذه بشأن تمديد الحجر الصحي من عدمه؟

لا نعتقد…

ولا نعتقد أنه من المجدي التردد ومحاولة التخفي وراء أهل العلم والاختصاص، لأننا سنخرج اليوم أو غدا من الحجر الصحي والمخاطر أو المنافع المنجزة من هذا القرار هي من تقدير السلطة السياسية فقط لا غير.

في الحقيقة لم نفهم كثيرا لِمَ تأخر انعقاد مجلس الأمن القومي إلى هذا الحد ولِمَ ننتظر الساعات الأخيرة من فترة التمديد الأولى للحجر الصحي، فهل ستتغير الحالة الوبائية اليوم أو غدا؟ وهل ستتقلص الخطورة أو تكبر بشكل لافت خلال أيام قليلة؟ فقرار الرفع التدريجي بعد تمديد ثان لايتعلق البتة بالحالة الوبائية المفترضة للبلاد خلال بدايات شهر ماي القادم، بل بمدى جاهزية السلطة التنفيذية لتوفير الشروط الصحية والأمنية الضروريتين لعودة تدريجية للنشاط الاقتصادي وللحياة الاجتماعية.

ماذا سنفعل في مسألة استئناف الحياة المدرسية وعمل الإدارة والمؤسسات الاقتصادية والتظاهرات الثقافية والفنية في الصائفة القادمة والأعياد الدينية والشواطئ، خاصة كيف سننظم النقل العمومي والمساحات التجارية وشروط العمل في الإدارة والمصانع والمؤسسات الاقتصادية والمدارس وماهي الشروط الصحية التي ستفرض على الجميع؟ كل هذه الأسئلة، وغيرها ، مطروحة فقط على صاحب القرار السياسي وعليه أن يتحمل كل تبعاتها وأن يستبق كذلك كيفية تقبلها وأن يراقب تنزيلها العملي.

ليس الاشكال في الاستشارة والتريث والتثبت فهذا كله مطلوب في هذه الظروف الاستثنائية ولكن لا يتبغي أن يتحول التريث إلى تردد أو الاستشارة الى غياب الفعل والتصور والتخطيط… لقد فاجأت الكورونا كل دول العالم ولكن وبعد حوالي الشهر من الحجر الصحي من حقنا أن نرى استراتيجية واضحة عند أصحاب القرار لكيفية تعاملنا وتعامل كل مؤسساتنا مع هذه الجائحة على امتداد الأسابيع والأشهر القادمة.

لا ينتظر التونسين قرارا جافا من مجلس الأمن القومي بالتمديد أو بالرفع التدريجي، بل ينتظر التونسيون خارطة طريق مفصلة للأسابيع والأشهر القادمة.. خارطة طريق قد تعدّل لو ظهرت معطيات مستجدة بصفة كبيرة، ولكن بعد هذا الشهر لا بد أن تتضح الصورة للأسابيع والأشهر القادمة وأن نقطع مع ما قد يبدو من ارتباك أو تذبذب في التعامل مع هذه الأزمة فما كان معقولا في البداية نظرا لوقع الصدمة لم يعد معقولا اليوم.

ما نأمله هو أن السلط العمومية قد استغلت هذه الأسابيع الماضية لتفكر بصفة جدية وجيدة في استراتيجية الخروج التدريجي من الحجر الصحي الشامل حتى لو رأت أنه عليها تمديدا اضافيا بأسبوعين أو أكثر…
الكارثة، كل الكارثة، لو لجأنا إلى تمديد اضافي دون رؤية ودون تصور عملي للخروج منه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115