منذ أرقام عدد الاصابات المؤكدة ليوم 4 أفريل الجاري ليكون اليوم دون سقف 5 ٪ يوميا بعد أن كان يتجاوز 10 ٪ وأحينا أكثر من ذلك خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس.
والنتيجة أننا خفضنا كثيرا من التوقعات التي انبنت على تطور العدوى خلال النصف الثاني من شهر مارس ومازلنا بعدين جدا على الرقم الرمزي لألف إصابة الذي كنا سنتجاوزه خلال الأسبوع الثاني لأفريل لو تواصل انتشار العدوى على نسقه القديم.
والسؤال الذي يقض مضاجع كل المسؤولين عن المنظومة الصحية في بلادنا هو التالي : هل نحن فعلا أمام سيطرة حقيقية على العدوى أم أنها بصدد التطور والنماء خارج دائرة نظرنا ومراقبتنا؟.
وفي الحقيقة لا نملك اليوم عناصر الاجابة الكاملة والقطعية حول هذا السؤال المفصلي والحل والوحيد لمعرفة الحقيقة سيكون مكلفا للغاية ماديا واجتماعيا، تقول معطيات المعهد الوطني للاحصاء لسنة 2017 أن تونس تسجل 6 وفيات لكل 1000 شخص، أي أننا سنسجل حوالي 70 ألف وفاة على امتداد كامل 2020 بمعدل 190 وفاة يوميا، أي أننا لو أردنا معرفة هل أن الأرقام الرسمية لعدوى الكورونا مطابقة لحقيقة العدوى الفعلية وجب علينا التثبت في كل حالة وفاة تحدث بالجمهورية واخضاع الجثة لتحاليل مخبرية، وهذا أمر صعب للغاية إن لم نقل مستحيل الوقوع ولن تقبل عائلات الموتى مهما كانت الدواعي التي تقدمها السلط العمومية لهذا.
بعبارات أخرى ما يُخشي اليوم في تونس هو أن يخفي جزء من المواطنين لأسباب شتى اصابتهم ببعض أعراض المرض أو حتى الحالات الخطيرة التي توجد في عائلاتهم وقد تؤدي إلى الوفاة، وكل ذلك خوفا من الوصم الاجتماعي أو من سوء المعاملة داخل مراكز الحجر الصحي الاجباري أو مما يتوقع من ظروف صعبة للعلاج بالمستشفيات العمومية وهذه المخاوف ليست حكرا على فئات معينة من مجتمعنا بل نلاحظها في كل الأوساط والفئات والجهات ولكن لا أحد يعلم حقيقة حجمها وهل أنها تخفي فعلا نوعا من العدوى خارج دائرة النظر أم انها تبقى هامشية ولا تؤثر كثيرا على حقيقة الأرقام الرسمية التي تقدمها يوميا وزارة الصحة.
هنالك ولا شك طريقة أخرى لمعرفة مدى تطابق المعطيات الرسمية مع حقيقة انتشار الوباء وهي القيام بتحاليل سريعة على أعداد كبيرة من المواطنين، ويبقى بعد ذلك اشكاليات اختيار عينة الاختبار وجدواها من الناحية الوبائية..
لا شك لدينا بأن صيحات الفزع التي تطلق بين الفينة والأخرى من قبل كبار المسؤولين في المنظومة الصحية إنما تنبع بالأساس من هذه التخوفات من وجود حالة أو حالات من العدوى «الصامتة» والتي قد تكون عواقبها وخيمة خاصة عندما ستقرر السلط العمومية الرفع التدريجي للحجر الصحي الشامل.
دون معرفة دقيقة بالوضعية الوبائية الواقعية في بلادنا لا يمكن رسم استراتيجية توقي ناجعة قد تكون المخاوف التي أشرنا إليها مبالغ فيها، ولكننا نجدها عند من يقاومون هذا الوباء من جنود وقيادات الصف الأول ولكل ذلك ينبغي أن نجد الاجابات العقلانية السريعة حتي نعلم فعلا هل نحن في الطريق السليم أم أننا سلكنا متاهة قد تكون جميلة ولكننا لا نعلم كيف نخرج منها.