النظام السياسي أو إدخال تغيير في التشريعات الأساسية ، يحتاجون إلى لأغلبية كافية لتحقيق مبتغاهم.
كل القوى السياسية تسعى إلى ضمان هذه الأغلبية لتتمكن من التعديل الذي تراه مناسبا لتطبيق رؤيتها السياسية .
ويتفق الجميع على ضرورة إدخال تعديل على النظام السياسي، ولكنهم يختلفون في تحديد الاتجاه الّذي يحب أن يذهب إليه التعديل، فهناك من يرى أن تعديل الدستور و النظام الانتخابي ضروري، كي تتخلّص الآليات المتوفّرة من الكوابح الّتي تعرقلها، حتى يكون النظام السياسي عاملا مساعدا على التقدم أو على الأقل، قادرا على تحقيق الأدنى من الإستقرار الإيجابي، وعلى وضع مؤسسات دولة قوية كفيلة بحماية آليات الديمقراطية المدنية الفتية و قيم الجمهورية، تكون ضرورية لتحقيق الازدهار والتقدّم.
و هناك من يسعى إلى التعديل كي يكون النظام السياسي متماشيا أكثر ما يمكن مع أحكام الشريعة ، و تكون فيه السلطة موزعة بالشكل الّذي يقع فيه تجاوز المركزية ،و يكون الشعب مباشرا للسلطة بواسطة آليات جديدة دون الدولة في نمطها الحالي.
ومنطلق كل هؤلاء فشل تجربة الخماسية المنقضية للجمهورية الثانية، الّتي تحقق فيها استقرار نسبي ولكن سجلت إخفاقا كبيرا على المستوى الإجتماعي والسياسي والإقتصادي، وهو ما يُبرّر إدراج المترشحين ضمن وعودهم الإنتخابية تغيير النظام السياسي والانتخابي ووضعوا ذلك ضمن أولوياتهم في المستقبل.
ولكن كما سبق أن أكدنا كل الوعود المعلنة تبقى بلا رصيد و كاذبة ، طالما لم يكن الترشح ضمن جبهة أو تكتل قادر على ضمان أغلبية برلمانية على أساس برنامج تجميعي يقع الإلتزام به و الإلتفاف حوله لتمريره في مجلس نواب الشعب .
و رغم ما جاءت به الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها من مفاجآت ، فإن توجهات الحملة الإنتخابية الّتي سنعرف مخرجاتها اليوم عبر صناديق الإقتراع، لم تشهد تعديلا إستراتجيا يبرهن على استعاب الدروس ، بل تواصل العمل المتشرذم، والتغريد ضمن أسراب متعددة ، وبخطب ذات سمات متقلّبة تكشف عن نوع من «الطفولية» السياسية ، و عن عدم نضج في النخب الّتي يتميّز جانب منها بالإنتهازية والرغبة في التسلق السريع لسلّم النفوذ ،مع تغليب صارخ للمصالح الشخصية والحزبية ، على المصلحة الوطنية الّتي ظلت صكّا بدون رصيد للعديد من الفاعلين في الشأن العام.
لذلك دعا رئيس الجمهورية و رئيس الهيئة العليا المستقلة للإنتخالبات إلى المشاركة المكثفة للناخابين، كي يؤدي الجميع واجبهم الانتخابي ، في محاولة للتقليل من نسبة العزوف، الّتي تقلّل من تمثيلية الفائزين، وتجنّب نسبيا ظاهرة الإستقطاب الّتي تستفيد منها التشكيلات الأكثر تهيكلا وتنظما.
وقد نجحت تونس في استعمال الآليات الانتخابية، و كسبت رهان الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولكن لم تنجح في إقناع نسبة كبيرة من الناخبين بالمشاركة في العملية الانتخابية، وفي التصريح بإختيارهم لمن يرونهم أهلا لتمثيلهم في مجلس نواب الشعب.
فالمشاركة المكثفة ، تبرهن على أن الناخب التونسي يريد أن يكون فاعلا في الشأن العام، و أنه أصبح يمتلك الوعي بضرورة إختيار من يمثله ومن ويحكمه وبأنه يتبنى العمل الديمقراطي بكل تبصر و مسؤولية . في حين أن غيابه يعني أنه لا يؤمن بجدوى الانتخابات كآلية من آليات ممارسة الديمقراطية، ولا يرى مانعا من أن يصوت غيره بدلا عنه.
لذلك يبقى الأمل قائما في المشاركة الواسعة، كما يبقى الأمل قائما بأن تعدّد الألوان تحت قبّة باردو ، لن يمنع من بروز أغلبية قادرة على الائتلاف و الالتفاف حول مصلحة تونس من أجل غد أفضل تكون فيه مؤسسات الدولة أكثر قوّة و النظام أكثر فاعلية في صون القيم الديقراطية والجمهورية في ظل تقدم إقتصادي وسلم اجتماعية .