الحرب على الإرهاب: في ضرورة الوحدة الوطنية وشروطها

فقدت تونس يوم الأحد ستة من خيرة شبابها في كمين غادر للجماعات الإرهابية الدموية العدمية ، ستة من شبابنا يمثلون تونس في

تنوع مناطقها ووحدة أهدافها ، سقطوا شهداء في ساحة الشرف، في هذه الحرب المفروضة على بلادنا والتي لا هدف لها سوى الخراب والدمار والترويع من أجل كابوس لا يمت للدين أو الأخلاق أو الشهامة بصلة .
استشهد أنيس الورغي وحمزة الدلالي و العربي قيزاني و حسام خليفة و اشرف الشارني و حاتم ملاط وهم في مقتبل العمر وانضافوا إلى قوافل الشهداء البررة في حرب تونس ضد الإرهاب وفي كل حروبنا من أجل استقلال البلاد وحريتها وكرامتها ..
انه يوم حزن ينبغي أن نقف فيه خاشعين مترحمين في حداد جماعي، فما أعظم مصيبة الموت وما أنبل هذه الدماء الزكية الذّابة عن حمى الوطن وكرامته ..
في مثل هذه اللحظات تمتحن الأمم والشعوب .. يمتحن كبرياؤها وصبرها وجلدها وعلو همّتها وقدرتها على مواجهة غوائل الدهر وغدر الجبناء ...
في مثل هذه المواضع يمتحن صدق الإرادة وقوة تصميمها .. كل نفس ذائقة الموت وكل ميت عزيز على أهله ولكن الشهيد عزيز على كل التونسيين..

من حق شهدائنا الستة علينا اليوم أن نقف جميعنا وقفة مواطن واحد متراصي الصفوف متحدي القلوب عاقدي العزم على الوفاء لدمائهم وعلى السير على نهجهم ..
هل يعني هذا تعطيل العقل والنقد والتقييم والتصحيح ؟ لا وألف لا ولكن هنالك زمن للحزن وزمن للحداد وزمن للتفكر والتدبير ثم زمنللتقييم والتصحيح ولكن كل ذلك لننطلق جميعا من جديد وبإرادة موحدة لمواصلة هذه الحرب وعلى كل الصعد دون هوادة إلى حين الاجتثاث الكلي والنهائي لآفة الإرهاب ..
إن المعيب اليوم هو الاتجار بدماء الشهداء ومن أية جهة جاء وسواء كان ذلك للانتصار للحكومة أو لخصومها أو للمناوئين للطرفين ..
الحرب على الإرهاب هي حرب البلاد بأسرها لا هذه الحكومة ولا التي تليها أو تلي من يليها وليست هي حرب المعارضة أو صف مخصوص من التونسيين. ومن يسعى ، ولو بحسن نية ، إلى تقسيم التونسيين اليوم إنما يسعى لإضعاف الصف الداخلي ويسمح للإرهابيين وحماتهم باللعب على التناقضات وبمحاولة الاستفادة منها ..

لا يعني هذا أننا نسينا الماضي أو تناسيناه ولا أن نقلل من شأن المسؤوليات السياسية والأخلاقية زمن حكم الترويكا التي تساهلت مع الإرهاب بل وتواطأ بعض أجنحتها معه ..
وحدة الصف المطلوبة اليوم لا تعني السذاجة أو الاصطفاف وراء أي طرف سياسي كان وإن كان لابد من الاصطفاف فليكن وراء قوات أمننا وجندنا البواسل ووراء المؤسستين الأمنية والعسكرية دون محاولة اختراقهما أو تأليب طرف على طرف آخر أو الانتصار لشخصية على حساب أخرى ..
إن من العيب أن تدخل السياسة السياسوية وحساباتها الضيقة والآنية في قضية وطنية بمثل هذا الحجم وهذه الخطورة .. فليتصارع أنصار الحكومة وخصومها في كل الساحات ولكن ليتركوا هذه الساحة لكل التونسيين وألا يضيقوا فيها واسعا وألا يقصوا منها إلا من أقصى نفسه وخرج على دولته وشعبه فذاك في صف الأعداء..

إن كل من يعتقد انه بإمكانه تسجيل نقاط سياسية بتوظيف عملية إرهابية لإرباك خصم أو لحيازة مغنم إنما هو واهم لأن خصومه سيستعملون غدا نفس الأساليب ضده عندما يكون هو في سدة الحكم أو قريبا منها ..
في بلادنا مشاكل كثيرة وجل منظوماتنا مريضة أو معطبة ولكن قد اخترنا الطريق السليم في محاربة الإرهاب أمنيا على الأقل وقد بذلت المؤسستان الأمنية والعسكرية الغالي والنفيس وبدأت البلاد تتوحد تدريجيا منذ 2014 ضد هذه الآفة ، فلا نأتي بعد كل هذه الجهود والدماء لنعود إلى المربع الأول ولنهدم كل ما تظافرت جهودنا على بنائه لبنة لبنة ..
لا نريد أن نلقي باللائمة على السياسيين سواء كانوا في أحزاب أو منظمات أو جمعيات أو مستقلين ، فالسياسيون جزء أساسي من بناء منظومتنا الديمقراطية ولا يمكن لنا الاستغناء عنهم كما يتصور ذلك البعض ولكن لينظروا جميعا وأيا كان موقعهم اليوم ، إلى التحديات الكبرى التي تواجه البلاد من حرب على الإرهاب إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية وفقدان الأمل عند الجزء الأكبر من شبابنا .. ترى هل بإمكان فريق واحد منهم القيام بكل هذه الأعباء والنجاح في رفع كل هذه التحديات ؟ !
لا نعتقد ..
نحن لا ندعو إلى إلغاء الخلاف أو إلى وحدة شكلية تصلح فقط للصور الجماعية .. نحن نعتقد بأن مشاكل البلاد قد طالت وتعقدت وتداخلت وهي تحتاج من الجميع بذل جهد مضاعف وفي نفس الاتجاه من اجل بداية الإنقاذ وبداية الإصلاح ثم ليتنافس المتنافسون فيما بعد ، أما لو تناحرنا جميعا اليوم فستذهب ريحنا كلها ويغرق المركب بمن فيه..
الوفاء لدماء الشهداء ليس مجرد شعار .. انه طريقة في الفعل والإصلاح أيضا ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115