ووزير الداخلية حول تقييم العمل الأمني ومردودية كبار المسؤولين عنه انتهى بما يشبه الميلو دراما المؤقتة حول «فرض» إقالة بعض كبار المسؤولين رغم امتعاض وزير الداخلية ..
ويصاحب هذه الميلودراما قرار حكومي بإيقاف التفاوض في الحوض المنجمي وتجميد كل القرارات التي تم الإعلان عنها في أواخر فيفري والإعلان عن مقاضاة كل من يعطل العمل فكأنّ لسان حال الحكومة يقول : لن نتفاوض مستقبلا تحت التهديد ولن نقبل بمحاورة أي كان يعطل آلة الإنتاج ،والحوار الوحيد في هذه الحالة هو اللجوء إلى القضاء..
ثم نختم هذا الأسبوع بالتصريحات القوية للأمين العام للمنظمة الشغيلة أمام المؤتمر الجهوي لاتحاد الشغل بتونس العاصمة ،والتي قال فيها بأن الاتحاد لن يكون شاهد زور وأن نتائج عمل الحكومة كلها سلبية في رسالة شبه واضحة بأن رفض صاحب القصبة إجراء تعديل هام في بعض مواقع القرار كما نصحه بذلك اتحاد الشغل قد يؤدي بالمركزية النقابية إلى المطالبة بتغيير شامل قد لا يستثني هذه المرة رئيس الحكومة نفسه ..
كل هذه المعطيات تؤشر على ربيع ساخن في تونس ،ربيع قد تلعب فيه الحكومة إحدى ورقاتها المصيرية إذ ستكون شبيهة بجند طارق بن زياد : الاحتجاجات الاجتماعية وراءها واتحاد الشغل أمامها بينما ستقف أحزاب الحكم على الربوة إذ ستكون مركزة خلال هذه الأسابيع القادمة على الانتخابات البلدية ولا يتوقع أحد أن تتدخل بصفة جدية في هذه الصراعات القادمة عملا بالمقولة الشهيرة لأبي هريرة عندما علّق على الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان : «الوقوف على الربوة أسلم» في انتظار مآلات هذا الربيع الساخن ومدى قدرة حكومة الشاهد على الصمود وعلى انجاز ما تعهدت به من صرامة في التعامل مع كل من يتسبب في تعطيل الإنتاج في الحوض المنجمي أو في غيره ..
الواضح على كل حال أننا بصدد مشاهدة منعرج سياسي هام يتمثل في احتدام الصراع بين الحكومة التي مازالت تسمي نفسها «حكومة الوحدة الوطنية» ومن كان في الماضي القريب حليفها الأساسي وسندها شبه الأوحد : الاتحاد العام التونسي للشغل .. صراع قد ينهي وثيقة قرطاج على ارض الواقع ، لو امتد في الزمن وقد يجبر الشاهد على مراجعة كل حساباته واستراتيجياته السياسية ..
ينبغي أن ندرك أن توتر الأسبوعين الأخيرين سيغير حسابات كثيرة بدءا باحتساب الحلفاء / الأصدقاء والحلفاء/ الخصوم ..فالاتحاد كان يشغل الخانة الأولى وبكل قوة حتى قيل بأن حكومة الشاهد قد أصبحت مرتهنة في ساحة محمد علي وأنها تفضل هذا لإرضاء هذا الحليف/ الصديق في كل تحكيماتها سواء تعلق الأمر بالميزانية أو بغيرها لا فقط «خوفا» من غضب الاتحاد بل و«طمعا» كذلك في «تفهم» المركزية النقابية عندما يتعلق الأمر بتمرير بعض الإصلاحات الضرورية للحكومة كالترفيع في سن التقاعد وفي مساهمة الشغالين في الصناديق الاجتماعية ومنظومة الدعم والمفاوضات الاجتماعية للزيادة في الأجور..
نحن نتحدث بطبيعة الحال عن علاقة بين مؤسسات لا تتأثر فقط بمزاج اللحظة بين الأشخاص فالمفاوضات في الأجور مثلا هي دائما مفاوضات صعبة مهما كانت نوعية العلاقة بين أطراف الإنتاج ولكن المناخ العام الذي ستأتي فيه هذه المفاوضات قد يعسّر منها خاصة إذا ما علمنا بأن هنالك خلافا هاما حول بقية ملفات الإصلاح وخاصة ما يتعلق بوضعية بعض المؤسسات العمومية أو مراجعة منظومة الدعم ..
ويبقى الإشكال الأكبر يبقى بالنسبة للقصبة هو البحث عن حلفاء أصدقاء جدد أي في النهاية توطيد العلاقة مع الحزبين الرئيسيين في الحكم: النهضة والنداء وهذا «التوطيد» لن يحصل دون تنازلات إضافية ومهمة من حكومة الشاهد وهي مزيد «التنسيق» مع قيادة الحزبين خاصة في التعيينات الإدارية وكذلك في السياسات الحكومية وأن يكون «التنسيق» بطبيعة الحال قبليا وأن تأخذ الحكومة برأي القيادات الندائية والنهضوية خاصة إذا ما أكدت الانتخابات البلدية القادمة تصدر هذين الحزبية للمشهد السياسي وأنه لا منافس جديا لهما إلى حد اليوم ..
قد تجد حكومة الشاهد نفسها بين فكي كماشة يكون الإفلات منها صعبا: إما التنازل ،مجددا، لاتحاد الشغل أو الارتماء الكلي في أحضان النداء والنهضة ..
اللقاء الذي جمع يوم أمس يوسف الشاهد بنورالدين الطبوبي قد لا يجيب عن هذا السؤال المحوري ولكنه سيوضح ولاشك بعض المآلات الاجتماعية والسياسية للأسابيع القليلة القادمة في انتظار تطور الأحداث في الحوض المنجمي وفي أفق ما سيفرزه الصندوق بعد شهرين بالضبط من الآن ..