ومن بين مظاهر الريبة المفرطة هذه شك البعض - بما في ذلك قيادات سياسية وحزبية – في إجراء الانتخابات البلدية يوم 6 ما ي 2018 . فبعضهم مازال إلى اليوم يهمس في أذنك بثقة العارف بأسرار الأمور بأن الانتخابات ستؤجل والبعض الآخر يسألك :«زعمة باش تاقع الانتخابات؟» وكل ملامح وجهه تقول بأنه يعلم الجواب مسبقا وأن الجواب هو النفي بالطبع. وعندما تسعى لمعرفة سرّ هذا «اليقين» في التأجيل أو حتى في الإلغاء عند بعضهم يشفق عليك السائل المستنكر من كثرة جهلك بخفايا الأمور ومن غياب «أسرار الآلهة» عن محيطك المحدود – ثم يتلذذ بعدم الإفصاح عن «مصادره العليمة» تاركا إياك في جهلك تعمه..
وبإمكان كل أعضاء هيئة الانتخابات ورئيسها أن يصرحوا صباحا مساءا ويوم الأحد بأن الانتخابات البلدية حاصلة في موعدها وأن ذلك قد استوفى كل الشروط القانونية للغرض ورغم ذلك يبتسم بعض «العارفين» من أهل السياسة والأسرار اللدنية لأننا جميعا مساكين وأننا إزاء مسرحية سنفيق منها بعد حين..ويبدو أن هذا التشكك مازال ساريا حتى عند بعض الأحزاب المعنية مباشرة بهذه الانتخابات وبتقديم القوائم، فبعض قياداتها تقول لك وفي هذه الأيام بالذات : نحن بصدد الإعداد النهائي لتقديم قائماتنا ولكن دون كبير يقين بانجازها في ميقاتها المحدد..
والغريب هنا حقا هو أن حالة الارتياب هذه شبه المرضية لم تر النور لا في انتخابات 2011 ولا في انتخابات 2014 ونراهن أيضا أنها لن تظهر بمثل هذا الشكل في الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) لـ2019.. الإشكال فقط – فيما يبدو – في هذه الانتخابات البلدية والتي يطالب الجميع بضرورة عقدها ولكن يتمنى جل الفاعلين السياسيين لو تحدث معجزة وتمحى
هذه الانتخابات من الروزنامة التونسية والسبب في رأينا يعود إلى أمور ثلاثة :
•الخوف المبالغ فيه من قيام سلطة محلية تحيي من جديد النعرات الجهوية والعروشية بل وحتى الانفصالية في بعض الأماكن وكأن كل بلدية منتخبة وخاصة إن خرجت عن «السيطرة» – ستكون مشروع «كاتالونيا» تونسية.
•توجس بعضهم من فوز ساحق لحركة النهضة; ولذا تراهم يفضلون عدم إجراء هذه الانتخابات وهكذا «لا عين ترى ولا قلب يوجع».
• قيام إستراتيجية بعض الأحزاب على الوصول إلى السلطة عبر «زعيم منقذ» وهذه الاستراتيجيا لا تناسبها الانتخابات المحلية بل فقط انتخابات رئاسية ومع التمني أن تكون سابقة لأوانها كذلك وبالتالي فالانتخابات البلدية لم تأت في الوقت المناسب لأنها قد تكشف زيف أوهام كثيرة وقد تعسر كثيرا حسن الاستعداد للانتخابات العامة ولاسيما الرئاسية التي تهم فقط بعض هؤلاء «الزعماء» المفترضين..
ولعل تداخل عنصرين أو ثلاثة من التي ذكرنا يجعل من «حلم» تأجيل الانتخابات البلدية مازال قائما رغم إصدار الأمر الرئاسي لدعوة الناخبين ورغم كوننا انطلقنا في عملية قبول الترشحات وان مئات القائمات من حزبية ومستقلة قد تقدمت إلى الهيئات الفرعية خلال هذين اليومين الأخيرين ..
الإشكال عند البعض في بلادنا أنهم يعيشون في عالم «الحقيقة البديلة» عالم الرغبة فيه أهم من الوقائع الصلبة الدامغة.. ولكن إن كانت «الحقيقة البديلة» وعالم ما بعد الحقيقة يدغدغ بعض النرجسيات فإن الوقائع الصلبة كفيلة بإيقاظ الجميع من أحلامهم الجميلة ..
الانتخابات البلدية ستقع يوم الأحد 6 ماي مهما حلم البعض بمعجزة سماوية ولكن هي لن تحصل فقط في ميقاتها المعلوم بل ستحدد أيضا وبصفة واضحة حقيقة الموازين السياسية في البلاد والحجم الفعلي لكل الطموحات ..
مازالت بعض الأسابيع من الأحلام الافتراضية ولكن نخشى على هؤلاء من كابوس اليقظة ..