لا

لم يكن أحد يتصور أن يأتي يوم يمنع فيه نصف الشعب التونسي من ولوج أرض بلاد لم يسبق

لنا أن تخاصمنا مع قيادتها أو كان لنا إشكال يذكر مع مواطنيها أو فرقت بيننا في الماضي القريب أو البعيد حروب ونزاعات دموية.

حصل هذا دون سابق إنذار أو تنسيق مع دولتنا أو حتى مجرد إعلام. وحصل هذا فوق أرضنا إذ قررت شركة الطيران الإماراتية بتعليمات من القيادة الإماراتية منع نساء تونس (باستثناء المقيمات في الإمارات أو الحائزات على جوازات سفر ديبلوماسية) حتى من مجرد العبور لوجهات آسيوية أخرى..
وعند الاستفسار جاءت توضيحات غريبة من صنف خشية دولة الإمارات من قيام تونسية أو حاملة لجواز سفر تونسي بعملية إرهابية إما داخل إحدى الطائرات أو على الأرض الإماراتية..

توضيح غريب لأننا لا نعتقد للحظة واحدة أن الإمارات كانت ستمنع الأمريكان أو الانجليز أو الصينيين أو الروس..لو كانت لديها مخاوف جدية من قيام احد حاملي جوازات هذه البلدان بعمل إرهابي على الأرض الإماراتية..

حصل هذا مع تونس لأسباب نعلم بعضها ونجهل بعضها الآخر ،ولكن الرسالة واضحة على كل حال : عدم إقامة أي اعتبار للبلاد ولدولتها ولشعبها وتصور انه بالإمكان أخذ أي قرار يمس من كرامتها دون أن يترتب عن ذلك أي شيء،إذ لو كان الأمر على غير هذا الوجه لحصل التواصل والتنسيق والتشاور لأخذ القرارات الكفيلة بحفظ أمن الإمارات وكرامة التونسيات والتونسيين في ذات الوقت..

نجد أنفسنا مضطرين للأسف الشديد ،للتذكير بأنّ هنالك بعض السوابق ،وان كانت أقل خطورة في هذا الصنف الخاص من التعامل منها رفض إسناد التأشيرات للتونسيين في وقت من الأوقات بما في ذلك للوفود الرسمية وللمثقفين ورجال الأعمال فما بالك بسائر المواطنين وقد تعامل الجميع آنذاك برصانة حتى لا تأخذ المسألة أبعادا لا تحمد عقباها..
ولكن ما حصل منذ يوم الجمعة الماضي يفيض كل الكؤوس ولا يمكن أن نلتمس له ولو نصف عشر عذر..ولا يمكن أن يقبل من أية دولة كانت وتحت أية ذريعة..

نحن لا نريد تأزيم علاقتنا مع الإمارات ولا مع أية دولة أخرى ولا نريد لبلادنا أن تتدخل في السياسة الداخلية لأية دولة أخرى وذلك آيا كانت تلك السياسة، فهذا دور النخب والأحزاب والإعلام ولا دخل للديبلوماسية فيه ..
وللحقيقة فإن ديبلوماسيتنا الحالية قد راعت كل هذه المبادئ ولم تتدخل في الشأن الخاص لأي بلد ونأت بنفسها – قدر الإمكان – عن كل سياسة للأحلاف سواء كانت عربية او دولية..

نحن لا نريد أن نعتقد بأن تونس «تُعَاقَب» من أجل مواقفها الديبلوماسية من الأزمات والمحاور التي تشق اليوم منطقة الشرق العربي سواء تعلق هذا بالأزمة الخليجية بين الإمارات والسعودية والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى أو الأحلاف الإقليمية المتصارعة بصفة مباشرة أو غير مباشرة في العراق وسوريا واليمن..
كل ما نتمناه هو أن يكون القرار الإماراتي ناجما عن خطإ في التقدير الإنساني والسياسي وان يتم العدول عنه والاعتذار الرسمي بشأنه والتعويض الأدبي ،قبل كل شيء، لكل من تضرر منه حتى نتمكن من التجاوز ومن غلق هذا القوس الذي لا يشرّف أحدا..

الموقف التونسي القاضي بتعليق رحلات الشركة الإماراتية لبلادنا مصيب حتى وإن جاء متأخرا إلى حد ما ،وكنا نأمل أن يُصْحَبَ بموقف ديبلوماسي رسمي فيه تنديد بما حصل ..ولكن يبقى القرار جيدا وذا وقع رمزي وسياسي كبير..
الغريب هنا أن بعض دعاة «العقلانية» لا يميزون جيّدا بين البراغماتية والانبطاح وبين التنديد والعداوة ويجعلون من المصالح الاقتصادية الضيقة مقياسا لكل شيء..

نحن لا نريد عداوة مع الإمارات ولا مع غيرها من الدول ونعتبر أن كل تهجم على الشعب الإماراتي أو على إماراتيين بعينهم مرفوض ومدان،فنحن لدينا مشكلة مع قرار سياسي أُلبِسَ لبوسا تقنيا أقدمت عليه السلط الإماراتية فقط لا غير . قرار نرفضه وندينه بكل قوة ونتمنى أن يعدل الأشقاء عن هذه المظلمة وان يعتذروا عن هذا الخطإ..
تقوم العلاقات بين الدول ولاشك على المصالح المتبادلة (بالمعنى الواسع لكلمة مصالح) ولكنها تقوم أيضا على القيم وقيمة القيم هنا هي الاحترام المتبادل ،الاحترام الذي ينطق به الخطاب وتؤكده الممارسات على الميدان..
أما ما سوى ذلك فلا تتأسس عليه مصلحة مطلقا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115