كما أن كل الأحزاب لا تريد أن توصف بأنها يمينية وكأنّ اليمين تهمة ينبغي التبرؤ منها أمام العلن..وحده حزب آفاق قال في بدايات تشكله بأنه ينتمي لوسط اليمين ودقق رئيسه ياسين إبراهيم تموقع حزبه سنة 2014 فقال إنه على يسار النهضة وعلى يمين نداء تونس ولكن سرعان ما اختفى التوصيف مقابل تموقع اقل حساسية وهو الليبرالية الاجتماعية رغم كون الليبرالية مصنفة دوما في مخيالنا السياسي بأنها تيار يميني ..
فضاء الوسط هذا وقد افتكه حزب نداء تونس سنة 2014 ومحور حملته الانتخابية آنذاك على أن هذا الوسط تونسي بداية وحداثي ثانية وانه القوة الوحيدة القادرة على الوقوف أمام الإسلام السياسي الذي تمثله حركة النهضة..
وقد تضررت آنذاك كل الأحزاب الوسطية المعادية للتيار الإسلامي بحكم التصويت المفيد الذي لعب بقوة لفائدة الحزب الذي أسسه الباجي قائد السبسي ولكن الانشقاقات والأزمات المتتالية لحزب الرئيس أغرت كل الأحزاب والشخصيات «الوسطية» لافتكاك المكانة التي تعتقد أنها سلبت منها باسم التصويت المفيد وان الوقت قد حان لوراثة القاعدة الانتخابية لهذا الحزب الذي ولد كبيرا ولكنه سرعان ما تعثر إلى حد التبعثر..
والإشكال هنا ليس في صحة هذا التحليل من عدمها..الإشكال هو أن خطّاب الوسط كثر وانه لا مكان في الخارطة السياسية لكل هؤلاء الذين يطمحون إلى أن يكونوا الحزب الأكثر تمثيلية داخل هذه العائلة..
والطريف أيضا أن جل هذه الشخصيات والأحزاب لطالما وجدت نفسها في تموقعات سياسية مختلفة فمنها من تحالف مع النهضة سابقا وندم على ذلك لاحقا كالتكتل ومنها من كان يصف بعض أحزاب الوسط بأنها منقلبة على الشرعية في صائفة 2013 ونجد اليوم انصهارا بين من ساند «الشرعية» حينها ومن عارضها كما هو حال التيار الديمقراطي الذي شهد في نهاية الأسبوع الفارط الدخول الجماعي للتحالف الديمقراطي وزعيمه محمد الحامدي..
في هذا الوسط أيضا شخصيات وأحزاب انشقت عن نداء تونس وتطمح كلها لوراثته أو على الأقل لتثبت نديتها وجديتها ونقصد هنا المشروع لمحسن مرزوق وتونس أولا لرضا بلحاج وبني وطني لسعيد العايدي..
وفيه أيضا أحزاب كانت حليفة للنداء في البداية ثم حصل بينها وبينه جفاء ثم عادت هذه الأحزاب إلى التحالف ،أو التواجد ، معه في حكومة الشاهد ونقصد بها حزبي المسار لسمير بالطيب والجمهوري لعصام الشابي. وفي هذا الوسط المنشود شخصيات لها تجربة سياسية تناهز نصف القرن كأحمد نجيب الشابي والذي سيقدم في نهاية هذا الشهر على إحداث حزب جديد
: الحزب الديمقراطي وفيه شخصيات دخلت السياسة من باب الصدفة الحكومية كحزب البديل لرئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة ..
شخصيات كثيرة وقيادات حزبية وطاقات كلها تعمل من اجل خطف بعض أضواء الوسط..
تختلف جاهزية هذه الأحزاب فبعضها له وجود نسبي على أرض الواقع وبعضها الآخر مازال مجرد اسم ونوايا طيبة، ورغم التقارب بين بعضها إلا أن كل التجارب التوحيدية قد باءت، إلى حد الآن، بالفشل وسوف نراقب عن كثب انصهار التحالف الديمقراطي في التيار الديمقراطي لنرى هل نحن أمام تجربة جديدة أم أمام تكرار لفشل سابق..
الديمقراطية الانتخابية لا ترحم ،فهي لا تعترف إلا بالأحجام الانتخابية لا بنوعية الشخصيات ومسيرتهم النضالية ،وعلى خمسين مشروعا حزبيا جديدا واحد أو اثنان فقط ينجحان على أقصى تقدير ،والتشتت الحالي مؤشر على فشل جماعي مرتقب ..
هنالك اليوم صنفان من الوسط ،صنف يمكن أن يصنف في خانة وسط اليمين ونجد فيه آفاق والبديل والمشروع وصنف آخر في وسط اليسار منقسم بنفسه على ثلاث فئات الأول حسب التموقع الإيديولوجي من حداثي جدا (المسار) إلى محافظ (التيار الديمقراطي ) والثاني حسب التموقع السياسي : مع حكومة الشاهد (المسار والجمهوري ) والآخر في المعارضة بوضوح( التيار والتكتل) والثالث حسب العلاقة مع الحركة الإسلامية ما بين معارض لها رغم جلوسه معها في نفس الحكومة (المسار) وبعضها نادم على التحالف معها (التكتل) وبضعها لا علاقات عدائية له من الناحية المبدئية (الجمهوري والتيار) وهما وان اتفقا على نقد التحالف الندائي النهضوي فهما يقومان به من مواقع مختلفة..
ولكن السؤال المحير هو مدى استعداد هذه الأحزاب للمنافسة الانتخابية القادمة فقد لا تربح هذه الأحزاب الانتخابات البلدية القادمة ولكن بعضها أو جلّها قد يخسر فيها الكثير وقد تتبخر فيها آمال واستراتيجيات وسوف نرى هل أن هدف هذه الأحزاب هو خلق التوازن السياسي في المشهد الحزبي ولو كان ذلك على حسابها أم أن الأساسي هو المغامرات الشخصية لا غير.