في مناورات راشد الغنوشي وحافظ قائد السبسي : عندما يخطط «أفندينا» و«ولد سيدنا» للإطاحة برئيس الحكومة

لسنا ندري من قرر انطلاق السنة السياسية الجديدة في غرة أوت الجاري ،أهو راشد الغنوشي الجديد بحواره في قناة نسمة أم حافظ قائد السبسي بتدويناته على الفايس بوك؟ ولعلّ الأصح أن يكون الاثنان معا وبتنسيق واضح وجلي ..فالطلق الناري الكثيف لكليهما على حكومة يوسف الشاهد وفي نفس اليوم وبنفس العبارات تقريبا،لا يمكن أن يكون فقط من باب توارد الخواطر..

الخلاف بين «ولد سيدنا» ورئيس الحكومة يعود إلى أشهر وزادته الحملة على الفساد توترا ولكن لا احد كان يتوقع بان «أفندينا» سينزل بكل ثقله وبربطة العنق الجديدة لمحاولة تحقيق ما لم ينجح فيه إلى حدّ الآن «ولد سيدنا»..
تدوينة حافظ قائد السبسي يوم أول أمس وقبيل أربع ساعات من بث حوار راشد الغنوشي على قناة نسمة تعطينا المدخل الأول لفهم هذا التخطيط المشترك للإطاحة بيوسف الشاهد..

ماذا يقول «صاحب الباتيندة» الجديد ؟
يقول بان «التحديات الاقتصادية والاجتماعية قد تعاظمت أكثر من أي وقت مضى» وأنّنا اليوم «رغم المجهودات التي تبذلها الحكومة (...) نبقى بعيدين عن المنتظر والمأمول» والحلّ إذن ؟ : حوار اقتصادي «في إطار اتفاق قرطاج وبقيادة رئيس الجمهورية» يفضي إلى « مبادرة وطنية اقتصادية واجتماعية (..) في شكل خريطة (هكذا) طريق تكون ملزمة للجميع»
وهذا ما كرره «أفندينا» في حواره مع «نسمة» بنفس الألفاظ تقريبا وفي الحقيقة هذا ما كرره «ولد سيدنا» لان حوار «أفندينا» قد تم تسجيله يوم الأحد..
وتفكيك شفرة هذه «المبادرة» ليس معقدا بالمرة..فأي حكومة تحترم نفسها لا يمكنها أن تقبل بها لأنها لو فعلت ذلك فستقر بأنها بداية قد فشلت في إدارة شؤون البلاد وثانيا بأنها لا تملك حلولا للخروج من هذه الأزمة وثالثا أنه عليها تطبيق خارطة طريق تفرض عليها من خارجها وتدار من قصر قرطاج لا من القصبة ..بعبارة أخرى هي دعوة مبطنة ولكنها واضحة لاستقالة الحكومة أي استقالة رئيسها..وهذا يفسر القصف المزدوج النهضوي الندائي في غرة أوت الجاري..
وأضاف «أفندينا» في اتفاق لا يخفى مع «ولد سيدنا» بان ما تعتبره حكومة الشاهد وجزء هام من الرأي العام كمكسب كبير لها وهو الحملة على الفاسدين والمهربين إنما هو هتك لأعراض الناس واستيلاء على أموالهم دون موجب حق مادام قد حصل ذلك خارج دائرة القضاء..وهكذا أضحى المهربون الموقوفون في إطار قانون الطوارئ ضحايا والحكومة خارجة عن القانون ! هذا الذي عجزت القيادات الندائية الملتفة حول «ولد سيدنا» عن قوله ، ولو تلميحا، صرح به «أفندينا» بكل قوة ومن موقع الأخلاق والدين والقانون كذلك !!

هكذا تكون الشراكة الرابحة أو لا تكون..وهكذا تجرّد حكومة الشاهد من أهم منجزاتها ولا يبقى لها سوى أنها «بعيدة عن المنتظر والمأمول» ولإحكام القبضة على صاحب القصبة تم اتهامه ضمنيا من قبل «أفندينا» بأنه يفكر في 2019 وهذا ما اثر على تركيزه واهتمامه بشؤون المواطنين اليوم وأنه عليه أن يعلن على رؤوس الملأ إمّا التفرغ الكلي للعمل الحكومي والتعهد بعدم الترشح لانتخابات 2019 (حتى كنائب للشعب) أو الاستقالة من الحكومة و«التفرغ» لطموحه الشخصي..
ويا للغرابة : كل الأحزاب والمنظمات قد نددت بهذا التهديد ، كلها إلا ..نداء تونس بالطبع والذي رأى أن مقترح «أفندينا» إنّما هو إنقاذ للشاهد من محيطه «الخبيث» الذي يزين له صباحا مساء وحتى يوم الأحد بان يخطط للانقضاض على عرش قرطاج دون المرور على قدّاس تزكية حزب «ولد سيدنا» ..

هكذا حيكت هذه الخطة لإسقاط حكومة يوسف الشاهد ولهذا السبب تم الانطلاق فيها مبكرا منذ غرة أوت وقبل التغيير الوزاري المرتقب لممارسة ضغوط سياسية كبرى على يوسف الشاهد فإما أن يتنازل لهذين الحزبين في التغيير الوزاري القادم ويبعد «ناكر» و«نكير» وبعض الموسوسين الآخرين ويضع بدلهم من تم تعميدهم بين البحيرة ومون بليزير أو يضطر للإعلان عن عدم ترشحه للانتخابات القادمة أي انتحاره السياسي أو يغادر رئاسة الحكومة من الآن ..
وجزاء «أفندينا» على كل هذه الخدمات الجليلة أن يتهيأ للانتخابات الرئاسية القادمة طبعا في صورة عدم ترشح الباجي قائد السبسي لها، وقد يكون وُعِدَ من قبل «ولد سيدنا» بالدعم والمؤازرة وبمواصلة نهج «التوافق» بخماسية للشيخ «الأصغر» بعد أن فاز بالخماسية الأولى الشيخ «الأكبر»..
ولكن في خطة «أفندينا» و«ولد سيدنا» ثغرات عديدة أهمها أن رئاسة الجمهورية لا تزكيها ولا تعتبر نفسها معنية بها (على الأقل هذا ما يقال في العلن) وكذلك أن عددا هاما من القيادات النهضوية تعارضها في السرّ
والعلن..

صحيح أن هنالك قيادات نهضوية مقربة من «سيدي الشيخ» تزيّن له منذ أشهر بأن مشواره «الاستثنائي» يتطلب تتويجا في نفس المستوى ..ولعل هذا مغزى تدوينة مستشاره السياسي لطفي زيتون الذي كتب على صفحته بالفايس بوك «ارتداء رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي لما يعتبره التونسيون زيا رسميا (بدلة وربطة عنق ) هو مغادرة منه لمربع الطائفة وخطوة منه نحو الدولة» وأي شيء يعبر أكثر عن الدولة من كرسي رئيس الجمهورية ؟ !
ما لم تقرا حسابه ،ربّما، مبادرة «ولد سيدنا» مدعوما بـ«أفندينا» أنهما سيصبحان الاثنين معا وسط حلبة لم يختارا الصراع فيها ..فـ«ولد سيدنا» قد يفقد بمبادرته هذه أجزاء جديدة ونافذة ممن تبقوا في نداء تونس وقد تتقلص الكتلة النيابية للحزب الفائز في انتخابات 2014 إلى أكثر من نصفها الأصلي كما أن تهجم «أفندينا» على يوسف الشاهد وعلى الحملة ضد الفساد سيعيد الصراع الداخلي في حركة النهضة إلى سطح الأحداث وقد تتكلم أصوات جديدة وازنة اختارت الصمت لحدّ الآن وقد تتمايز عن هذه المغامرة السياسية غير المحسوبة العواقب التي يريد أن يندرج فيها «أفندينا».

ولكن رغم كل شيء رئيس الحكومة اليوم في موقع صعب إذ بعد تمرد قيادة حزبه عليه هاهي قيادة حركة النهضة تغادر ،رمزيا، السفينة وهذا ما سيضطره إلى أشياء أحلاها مرّ : فإمّا أن يواصل طريقه دون الاكتراث لما حصل ولكن هذا سيجعله سجين كتلتين جزء هام من أعضائهما سيكون معاديا له لا انطلاقا من قناعة شخصية بل خضوعا لمقتضيات الانضباط الحزبي ..وإمّا أن يسعى لاستيعاب الأزمة بتقديم بعض التنازلات في الأشخاص والسياسات وهنا سيكون خاسرا على كل الواجهات..
مرة أخرى سيكون مصير حكومة يوسف الشاهد، ورغم التأييد الشعبي النسبي لها، رهينة القرار النهائي لساكن قرطاج ..

ولكن أيّا تكن التطورات القادمة فالبلاد قد دخلت في أزمة سياسية مفتوحة وهذه الأزمة ستؤدي حتما إلى توزيع جديد للأوراق وقد يكون الخاسران البارزان فيها «أفندينا» و«ولد سيدنا» ..ولكن لا نعلم من سيصاحبهما في رحلة نزولهما النهائية ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115