الجهر ببعض تفاصيلها ،أصبحت جارحة ومخيفة.
ذلك ما حصل في مجلس نواب الشعب أوّل أمس في رد وزير المالية بالنيابة ووزير الإستثمار السيد فاضل عبدالكافي في ردّه على النواب عند مناقشة مشروع الحصول على قرض جديد ، عندما صرح بوضوح أن هذه المصادقة على الإقتراض قبل العطلة البرلمانية ضروري للتمكن من خلاص الأجور للأشهر المقبلة .
ما صرّح به الوزير كان بشكل مغاير عن بقية الردود الّتي تعوّد عليها النواب، إذ كان في قالب الإعلان بمرارة عن حقيقة الوضع «بلا قفازات» ، مع ردّ أراده أن يكون بنفس «لهجة» التهجّم الّذي تعرض له بخصوص انتقاد آدائه في الفريق الحكومي و حتى انتقاد تعيينه لحمل حقيبتين في نفس الوقت، واحدة أصالة والأخرى بالنيابة .
في هذا الجو من المصارحة المشحونة بلهجة متحديّة، تمت مصادقة مجلس النواب على اتفاقية القرض الّذي بموجبه سيمنح الإتحاد الأوروبي تونس 500 مليون أورو في شكل دعم مباشر لميزانية الدولة ضمن آلية الدعم المالي للإتحاد الأوروبي الّتي تهدف إلى توفير الحاجيات الإستثنائية من التمويل الخارجي لفائدة دول الجوار بنسبة فائدة تُقدّر بـ 3،1 % بالنسبة لمدّة سداد 12 سنة و 5،1 % لمدّة سداد 15 سنة .( راجع المغرب 28 / 7 /2017 ص 8)
إلى هذا الحد وصل الوضع الإقتصادي في تونس ، الّذي رغم الإشارات الصريحة لصعوبته منذ مدّة ، لم يستوعب جانب هام من نواب الشعب و من الأحزاب السياسية، تداعياته، و بقوا يحمّلون حكومة الصيد و حكومة الشاهد مسؤوليته ، متناسين جذوره ومخلفات سياسة المرحلة المؤقتة و صعوبات وضع الإقتصاد العالمي وتأثيره على تونس و على بقية الدول.
هذا القول لا يعني عدم تحميل الحكومة الحالية أي مسؤولية في جوانب عدّة من برامجها و سياستها ،و لكن نريد التأكيد على أن مسؤولية تدهور الأوضاع هي مسؤولية تشمل مختلف مكونات المجتمع السياسي ، الّذي لم يحسن التعامل مع الأوضاع ،و سمح بطريقة أو بأخرى بالتهاون في الدفاع عن المصالح الحيوية للدولّة في فترة حسّاسة تعطل فيها الإنتاج في أكثر من مجال و تمّت إضاعة الكثير من فرص الإستثمار الجديدة ، و فشلت في استبقاء العديد من المستثمرين.
هذه المسؤولية ليست ناجمة فقط عن عدم التصدّي لحالة التسيب الّتي تظهر بين الفينة والأخرى والفشل في التعامل مع بعض الملفات ، بل في غياب رؤى مستقبلية واقعية ومعقلنة ، يتمّ بموجبها تقديم مقترحات عملية وبناءة لإتباع سياسة إنقاذ جادة لوقف التدهور، والتخطيط لسبل إخراج البلاد مّما هي فيه.
هذه السبل متاحة و ممكنة و الدليل على ذلك التمكن من تسجيل بعض المؤشرات الإيجابية في مجال السياحة و إعادة عجلة الإنتاج - و لو ببطء - في بعض المؤسسات، و توفير المناخ الأمني الّذي يشجع على إعادة الروح للعديد من الأنشطة الإقتصادية، و محاولات مجابهة بعض الظواهر السلبية الّتي تنخر الإقتصاد.
لذلك كانت لهجة «الحزم» الّتي تضمنتها ردود السيد فاضل عبد الكافي، مستساغة، لأنها وضعت النقاط على الحروف، ونبّهت من استسهال النقد و أعطت إشارة لبقية زملائه في كيفية التعامل عند تحمل مسؤولية الحقائب الوزارية .كما صارحت العموم بصعوبة الوضع الإقتصادي، وتداعيات طغيان الهاجس السياسي و«السياسوي» الّذي يهم الأحزاب السياسية و تنافسها لكسب تأييد الأنصار ،على الهاجس الإقتصادي الّذي يهم مصلحة الدولة والشعب في مجابهة تحديات التنمية و التقدم.