ولكن في الحقيقة والواقع توجد عدّة نصوص قانونية تغطّي مختلف مجالات إسداء الخدمات سواء في إطار قوانين خاصة تنظم أخلاقيات كل مهنة أو في نطاق تطبيق النصوص العامّة في المادة الجزائية بخصوص الأفعال العمدية أو الأفعال غير العمدية المعبّر عنها بالأخطاء الّتي يؤاخذ ُ عليها جزائيا ، أو بخصوص المسؤولية المدنية الّتي تحمل على أصحاب المهن الحرّة عند إحداث أضرار عمدية و نتيجة خطأ غير متعمّد للحرفاء عموما، وكل ذلك فضلا عن المسؤولية التأديبية.
و في المجال الطبي فإن مجلّة واجبات الطبيب الصّادرة في 17 ماي 1993 بموجب الأمر عدد 1155 أو الأمر عدد 1156 الصادر بنفس التّاريخ والمتعلّق بواجبات مديري المؤسّسات الصحية الخاصة وشروط تعيينهم ، تحدّد الواجبات العامّة والواجبات نحو المرضى والواجب الأساسي طبق هذه المجّلة هو احترام الحياة واحترام النفس البشرية في جميع الظروف.
كما توجد نصوص عامّة في المجلّة الجزائية سواء تعلّق الأمر بالتسبب في عاهة أو تشويه أو موت أو غيرها من نتائج القيام بأفعال أخرى مختلفة، ورتبت القوانين جزاء على مختلف الأفعال .
وبما أنّنا إزاء واقعة حصلت مؤخرا بخصوص مولود تجدر الإشارة إلى أن المجلّة الجزائية أوردت استثناء خاصّا بخصوص إسقاط الحمل أو محاولة إسقاطه، ورخّص الفصل214 من المجلة المذكورة إبطال الحمل بعد ثلاثة أشهر من الحمل إذا خشي من مواصلة الحمل أن يتسبّب في إنهيار صحّة الأم أو توازنها العصبي أو كان يتوقع أن يصاب الوليد بمرض أو آفة خطيرة، اشترط الفصل أن يتم ذلك في مؤسّسة مرخّص فيها.
كما تناولت نفس المجلّة القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبّب عن قصور أو عدم إحتياط أو إهمال أم عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين.
كما نجد نصوصا في المادةّ المدنية الّتي تحدّد المسؤولية المدنية عند التسبّب في ضرر الغير عمدا سواء كان الضرر حسّيا أو معنويا ، ونجد أحكاما قانونية أخرى بخصوص من تسبّب في مضرّة غيره خطأ. و«الخطأ هو ترك ما وجب فعله فعل ما وجب تركه بغير قصد الضرر».وتعرّض المشرّع لمسؤولية الدولة أيضا و خطأ التابع والمتبوع ... إلخ
لكن الإشكال أن التطور الطبّي وكذلك التطوّر الفقهي، أوجبا مزيدا من التخصيص والتدقيق في مختلف التدخلات الطبية Actes médicaux وتصنيفها بأكثر دقّة ،و حتى في احتمال آثار بعضها لذلك أصبح على المريض عند الإقتدار أو عائلته عند العجز أو عدم الإدراك ، المصادقة المسبقة على القيام ببعض العمليات أو التدخلات ، و قد وصل الأمر إلى تبني فكرة ما يسمى «بالموت الرحيم» في بعض الأنظمة المقارنة.
هذا التطور أفضى إلى البحث عن عناصر التفرقة بين الخطإ الطبي Faute médicale والهفوة الطبية L’erreur médicale وذلك لمزيد تحديد المسؤوليات وتحديد كيفية تعويض الأضرار.فأعتبر الأوّل من ضمن «قواعد فن الطب» Les règles de l’art ،و تتولّد عليه المسؤولية المهنية باعتباره غير مطابق للمعطيات العلمية المكتسبة.
أمّا الثاني والّذي يمكن تسميته بالهفوة الطبية فهي ناجمة عن خطأ في التشخيص ، أو في تقدير العلاج أو الإهمال الطبي كما حصل مثلا في قضية اللوالب الطبية.
الأمر لم يتوقف في حدود الأخطاء الطبية بل شمل التطور العديد من التعريفات و كان لفقه القضاء دور في ضبط كل التدخلات ونتائجها وذلك إستنادا لأراء الخبراء في المجال الطبي والكميائي وكذلك في مجال علم الإجرام.
لذلك وجب تطوير القوانين و مسايرة التقدّم العلمي والتطور التشريعي، لتجنب السقوط في سرعة الحكم استنادا إلى نصوص عامّة لم يعد الكثير منها مواكبا للعصر. و إذا كانت الكلمة الأخيرة لأهل الخبرة فإنّه لا يصح أن ينصّب كل من هبّ و دب نفسه عارفا بشؤون الطب والتطبيب و يصدر الأحكام جزافا دون التروي والبحث والتأكّد.
غير أن مراجعة النصوص القانونية أو سن نصوص جديدة ، يجب ألاّ تكون ناجمة عن ردّة فعل ، لأن ذلك قد يسّبب إجحافا في هذا الإتجاه أو ذاك.
إن الاعتماد على أهل الخبرة و الاستئناس بالقوانين المقارنة وبفقه القضاء المقارن ، هو السبيل لوضع نصوص ملائمة ، ويمكن أن يكون ذلك أساسا في نطاق مجلّة واجبات الطبيب ، مع إدخال تعديلات على بعض النصوص الجزائية كما حصل بخصوص الإجهاض الّذي سبقت الإشارة إليه . فالتجارب التشريعية السابقة ، كشفت أن إعادة التشريع برمّته بخصوص أي مجال يمكن أن تنتج عنه «لخبطة» تزيد الأمور تعقيدا . مع الملاحظ أن الحد من الأخطاء الطبية لا يتوقّف فقط على العامل البشري بل أن ظروف العمل في المستشفيات و أحيانا حتى في المصحات ، يحتاج إلى مراجعةو تجديد و بنية تحتية متطوّرة، وهو ما يقتضي مراجعة السياسة الصحية ، و تحيين الخارطة الصحية ، واعتبار مجال الصحة العمومية ، شأنا تحت مسؤولية الدولة أساسا، و هو ما يبدو غير مستساغ لبعض الساسة ، الّذين يعتبرون الوزارة المعنية وزارة للصحّة فقط و ليست وزارة للصحة العمومية (؟ !).