بعد جلسة دامت 7 دقائق: 5 سنوات سجنا ضدّ أحمد صواب !

شهد يوم الجمعة الفارط حلقة جديدة من حلقات

التدمير الممنهج لكل مكتسبات الثورة والانتقال الديمقراطي: جلسة خرقت كل الإجراءات القانونية دامت حوالي سبع دقائق حسب شهادة المحامين لتنتهي بالحكم على القاضي الإداري السابق والمحامي والناشط الحقوقي أحمد صواب بخمس سنوات سجنا بالاعتماد على تأويل متعسف لحركة رمزية تم ادراجها ضمن الجرائم الإرهابية..

ولأول مرة - فيما نعلم - يرفض قطاع المحاماة ممثلا في عميده الأستاذ بوبكر بن ثابت المرافعة أمام هيئة قضائية للاحتجاج على الاخلالات الجسيمة التي تمس من الحقوق الأساسية للمظنون فيه وأهمها حضوره أمام الهيئة القضائية ودفاعه عن نفسه، هذا علاوة على ما شاب الجلسة المكوكية من اخلالات أخرى أكد جلّ خبراء القانون منافاتها لمجلة الإجراءات الجزائية..

لقد شهدت بلادنا منذ ستينات القرن الماضي العديد من المحاكمات السياسية خلت كلها من المقومات الدنيا للمحاكمة العادلة ولكنها سعت في أغلب الأحوال على احترام الإجراءت الشكلية وعلى حقوق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم وعلى حقوق الدفاع في المرافعة..

المبدأ كان واضحا للجميع: أنتم تقوقلون ما تريدون ونحن نحكم بما نريد (أي وفق التعليمات الواضحة والصريحة من السلطة السياسية).

ولكننا نلاحظ منذ بدء حملة الايقافات التي شملت سياسيين وحقوقيين وصحفيين ونقابيين ونشطاء مجتمع مدني احتجاجات متزايدة من قبل هيئات الدفاع في مختلف هذه القضايا على تعدد وتكرار الاخلالات الاجرائية وعلى الاحكام السجنية القاسية التي لم تشهدها بلادنا إلا في مراحل استثنائية ضدّ المتورطين في محاولات انقلابية مسلحة أو في جرائم إرهابية..

ما الذي يحدث في ربوعنا اليوم؟ وما الذي يفسر التزايد المريع لمحاكمات الرأي والنشاط المدني والسياسي؟

لا أحد ينكر احتمال وجود شبهات في أي قطاع كان ولا أحد يقول أن النشاط السياسي والحقوقي والنقابي والإعلامي يمنح لأصحابه حصانة ما، ولكننا اليوم لسنا أمام حالات فردية معزولة تم التحقيق مع ضمان كامل لحقوق المظنون فيهم بل أمام موجة عارمة لم تشمل سوى الذين ليسوا في ركاب السلطة سواء بمعارضتها صراحة أو بالعمل ضمن ما تعتبره من محظوراتها..

وبالطبع يجري كل هذا وسط أجواء من الشماتة والتشفي عند البعض ومن اللامبالاة المطلقة عند غالبية مواطنينا ومواطناتنا..

أي منطق يحكم كل هذا؟

في الحقيقة يحير جلّنا في تقصي الخيط الناظم لكل ما يحدث لأنه ليس في مصلحة أحد، لا في مصلحة السلطة السياسية ولا في مصلحة مختلف أجهزة الدولة ولا في مصلحة المجتمع ولا في مصلحة البلاد وصورتها، والصورة اليوم هي الاستثمار الأهم في هذا العالم التنافسي العنيف.

نحن نعلم أن ما أصبح يمثل الايديولوجيا الرسمية للسلطة لا يعترف بأي دور للاجسام الوسيطة ولا سيما بدورها الأهم: التعبير على جزء من المواطنين، وأن عدم الاعتراف هذا سيدفع موضوعيا إلى تهميش كبير لهذه الأجسام الوسيطة لأن وجودها مرتبط جوهريا بقدرتها على التوسط بين مختلف السلط العمومية والمواطنات والمواطنين، وعليه فإن نفي التوسط هو ايذان بنفيها.. ولكن لِمَ تلاحق ويحاكم نشطاؤها وتهدد أهم مكوناتها بالحلّ بعد توقيف نشاطها بشهر.

وحتى لو افترضنا وجود عداوة مطلقة بين هذه الأجسام الوسيطة وبين السلطة فالحكمة والمصلحة تقتضيان من أصحاب النفوذ ألا يحاصروا «أعدائهم» من كل الجهات لأن ذلك سيدفعهم حتما إلى الشجاعة القصوى كما بين ذلك الجنرال الصيني الشهير سان تزو منذ ما يزيد عن 2600 سنة في كتاب «فنّ الحرب».. فأن تترك منفذا لعدوك هو دوما أسلم لك وأقل كلفة ويفتح أبواب للمصالحة ولتجاوز العداوة.. أم نحن أمام «عداوة» بين الدولة بأجهزتها الصلبة والرخوة في ذات الوقت وكل ما مثله الانتقال الديمقراطي من تحديات لها؟!

أيا كانت الأسباب الظاهرة أو الخفية لهذه «العداوة» فإن استمرارها مضر بالجميع ولا ينفع لا البلاد ولا العباد.. والديمقراطية ليست عدوة الدولة بل الأفق الطبيعي لها في مجتمع معقد ومتعدد..

قلناها سابقا ونكررها اليوم: أحمد صواب بما يمثله وبما فعله هو ضمير الانتقال الديمقراطي حتى وهو اليوم وراء قضبان السجن.. الحبس كذاب دوما وأبدا

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115