حرب الإبادة على غزة: الاحتلال يرفض انهاء الحرب

تتجه الانظار الى الدوحة وواشنطن، اين سيتحدد مصير حرب الابادة

على غزة الذي بات بين الخيارين اليوم، نهاية فعلية للحرب ومعالجة اسبابها الجوهرية ، أو مناورة جديدة أتقنها الاحتلال وبدعم حلفاءه اللذين يبحثون له عن نصر لم يستطع تحقيقه بعد مرور 21 شهرا على حربه.

اذ ان جولتان من المفاوضات في الدوحة، حتى الآن، لم تفضيا إلى اتفاق على صفقة تبادل الاسرى التي قدمتها واشنطن، رغم ما يعلنه الوسطاء واعلام الاحتلال بان أجواء المفاوضات «الإيجابية». مع التاكيد على ان النقاشات كانت مستفيضة مفصلة للمقترح الأميركي لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا، يتضمن إطلاقًا تدريجيًا لأسرى الاحتلال مقابل انسحاب جزئي لقوات الاحتلال من بعض مناطق القطاع، وتوسيع دخول المساعدات الإنسانية، مع بدء مسار تفاوضي حول مستقبل الوضع في غزة.

فالكواليس المسربة للمفاوضات غير المباشرة بين وفدي المقاومة والاحتلال، تكشف ان الاخير يناور ويرفض صراحة الاقرار بانهاء الحرب ويعرض على المقاومة هدنة مشروطة لا يلتزم فيها بوقف اطلاق النار الكلي بل هدنة لا تحول بينه وبين تنفيط اية عمليات عسكرية متى شاء ذالك، والهدف هو ابراز انه المنتصر والمهيمن على غزة ومستقبلها اللذي يريد له الاحتلال ان يسجد نصرا لم يحققه.

اذ ان الاحتلال لا يفاوض على وقف الحرب بقدر ما يفاوض على استئنافها بشروط تحقق مصالحه. ولعل تصريحات تصريحات رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو تعكس هذا المنطق بوضوح. فالرجل قال إنه يرفض التعديلات التي اقترحتها حماس على الاتفاق الأولي، والتي سعت من خلالها المقاومة لضمان انهاء الحرب، لكن نتنياهو يتمسك بشروطه القديمة وهي «حق» الاحتلال على استئناف العمليات العسكرية متى شاء، و تفكيك بنية المقاومة ونزع سلاحها، والحفاظ على «حرية العمل» لقواته في غزة، حتى خلال فترة الهدنة.

شروط يبدو ان نتنياهو سيبحث عن قناع داعمه وحليفه الاساسي الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليدعمها خلال زيارته الحالية الى واشنطن، فالرجل يلمح الى امكانية «تحقيق صفقة» بشأن غزة، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن الوفد المفاوض تلقى توجيهات واضحة بعدم الخروج عن الخطوط الحمراء الأمنية. وهو ما يكشف ان الاحتلال يريد اعادة تعريف شروط الصراع بدعم امريكي دون ان يكون ملزما بانهاءه او انهاء اسبابه اي دون تغير لجوهر الصراع ذاته وهو انهاء الاحتلال.

وهو ما يدعمه حلفاء الاحتلال، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، اذ يواصلون تقديم دعمهم الكامل للجرائم المرتكبة في غزة، حتى وان عكست الصورة بعضا من الضغط من أجل صفقة إنسانية – سياسية لا تتناقض مع مصالح الاحتلال. فما يدفعه اليه حلفاء الاحتلال هو هدنة مؤقتة، وفي افضل الاحوال انهاء جولة من الحرب دون تقديم مشروع سياسي لإنهاء الاحتلال، ولا رفع الحصار، بل تسعى إلى تمرير اتفاق يضمن تهدئة ميدانية ويُفتح من خلاله ملف إعادة الإعمار تحت رقابة أمنية مشددة من بين اهدافها تفكيك بنية المقاومة وشبكة انفاقها.

وهو ما يبدو ان المقاومة تدركه فخيرت ان تقدم ردا «إيجابيًا» على مقترح مقترح الوسطا والتلويح بانها على استعداد للتنفيظ فورا، بل اكثر من ذلك هي تعرض صفقة شاملة على دفعة واحدة تتضمن اطلاق سراح جميع أسرى مقابل وقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع. وان يتم التفاوض بشان اليوم الموالي للحرب دون ضغط القصف والتجويع.

فالماومة التي بدورها رسمت خطوطها الحمراء وبينت انها لن تذهب الى اتفاق يتضمن نزعا لسلاحها او ابعاد لقادتها وتفكيكا لبنيتها التحتية وخاصة الانفاق، وهي وان تقبل بادارة مستقلة لغزة فانها تضع شروط لها، بما يحول دون ان تصبح هذه الادارة عصا بيد الاحتلال لاحقا تمرر اجندته ومنها بالاساس تجريد قطاع غزة من مقاومته.

مطالب المقاومة وتفاعلها على ما تتضمنه المبادرة الامريكية او مقترحات الوسطاء وكيف تفاعل الاحتلال معها يكشفان بوضوح ان حكومة نتنياهو تدفع في اتجاه تصعيد شروطها، وتتهرب من أي التزام واضح بوقف دائم لإطلاق النار، ما يؤكد أنها ليست بصدد إنهاء الحرب، بل إعادة صياغتها بطريقة تُبقي على تفوقها العسكري وتمنع حماس من البقاء فاعلًا سياسيًا في اليوم التالي.

فما يريده الاحتلال لإنهاء حرب ابادته ليس عدالة ولا أمنًا مشتركًا، بل صفقة تُكرّس الأمر الواقع تحت مسمى «اتفاق»، يوفر مخرج من المأزق الاستراتيجي الذي دخل فيه دون دفع ثمن سياسي، وأن يُعيد ترتيب القطاع بما يخدم معادلاته الأمنية، لا حقوق أهله. أما حلفاؤه، فلا يمانعون في ذلك ما داموا يضمنون هدوءًا مؤقتًا يعيد ضبط المشهد الإقليمي.

لكن كل ذلك يصطدم بحقيقة واحدة وهي أن غزة لا تُدار بالقوة، ولا تُفرَض عليها حلول بالإملاء. قد تتوقف الحرب مؤقتًا، لكن السلام لا يُبنى من فوق الخراب. وإذا لم يكن ما بعد هذه المفاوضات مبنيًا على رفع الحصار، وضمان الحقوق، والاعتراف بالحق الفلسطيني، فإن الحرب لن تنتهي، بل ستتخذ شكلاً آخر، أكثر تعقيدًا وأكثر خطرًا على الجميع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115