الحزام السياسي الداعم لمسار 25 جويلية: بين دعم المسار والإقرار بانتكاسته

تعيش تونس اليوم على وقع لحظة سياسية رمزية تظهر معها مؤشرات أزمة حكم عميقة

تتجاوز الانقسام التقليدي بين معارضة وموالاة. هذه الأزمة لا تعبّر عنها مواقف الخصوم السياسيين للرئيس، بل يظهر صداها المتزايد من داخل الحزام المساند لمسار 25 جويلية. فقد باتت مواقف الدعم تتقاطع، ولو جزئيًا، مع انتقادات حادة تطال جوهر اختيارات السلطة، في مقدمتها منطق التسيير الفردي.

وقد برز في صفوف القوى المساندة والداعمة لمسار 25 جويلية، التي طالما اعتبرت ان المسار استجابة شعبية لحالة الانسداد السياسي والاحتقان الاجتماعي وأملًا في تجاوز ما اعتُبر فشلًا ذريعًا للنظام البرلماني والطبقة السياسية التي حكمت البلاد بعد 2011، تطور في المواقف التي ولئن ظلت محافظة على نفس التقييم والتصور لـ25 جويلية الا انها أعلنت ان هذا المسار تطور نحو حكم مركزي وهيمنة مطلقة مع صدور قرارات كبرى دون تشاور او حوار مما أدّى إلى بروز أزمة داخل المسار نفسه.

أزمة داخلية يعبر عنها التحوّل و اتساع دائرة الانتقاد، لتشمل شخصيات وقوى كانت في طليعة الداعمين للرئيس، من بينها عبيد البريكي، الأمين العام لحركة «تونس إلى الأمام»، الذي لم يتردد مؤخرًا في توجيه نقد مباشر إلى أداء السلطة، محذرًا من أن غياب المقاربة التشاركية والإصرار على التسيير الفردي باتا عائقين أمام تحقق أهداف المسار نفسه. وفي هذا الاتجاه، لم تكن «حركة الشعب» او بعض نواب البرلمان بمنأى عن هذا التململ، إذ عبّرت عدة قيادات عرفت بدعمها للمسار عن خيبة أملها إزاء بطء الإصلاحات وغياب آلية واضحة لإشراك القوى الوطنية في اتخاذ القرار.

هذا التحول في المواقف لا يعني بالضرورة القطيعة مع مسار 25 جويلية كمبدأ، بل يعكس ان جزءا من حزام المسار باتت لديه قناعة تتمثل وفق، ما يعلنه، في أن التمشي قد انحرف بالمسار عن أهدافه الأصلية وأن تمركز السلطة في يد واحدة لم يؤدِّ إلى استقرار فعلي، بل ساهم في تعميق العزلة السياسية بين السلطة وحزامها والشارع.

ويبرز في هذا السياق ما يمكن وصفه بــالتقاطع النقدي بين المعارضة والحزام الداعم، إذ بات الجميع، ولو من منطلقات مختلفة، يشخّصون الأزمة الراهنة بانها أزمة حكم أولًا، لا مجرد تعثر ظرفي في الأداء. وتتجلى هذه الأزمة في هشاشة المؤسسات وغياب الأفق الاقتصادي وتدهور الثقة العامة في الخطاب الرسمي، خاصة في ظل استفحال الأزمة المعيشية وتآكل القدرة الشرائية وغياب السياسات الاجتماعية الفعالة.

وقد عبّر عدد من الفاعلين السياسيين، بمن فيهم أولئك الذين ساندوا الدستور الجديد واستفتاء 2022، عن قلقهم المتزايد من استمرار العمل بعدد من الإجراءات الاستثنائية مثل المرسوم 54، الذي يرون فيه سببا للاحتقان الحقوقي والسياسي ودليلا على مخاوفهم من ان استمرار النهج الفردي في الحكم دون أفق انجاز حقيقي سيؤدي الى تاكل ثقة الشارع التونسي في المسار ذاته.

من اجل تلافي ذلك وجهت دعوات صريحة لإصلاح المسار من الداخل، وذلك على قاعدة وحدة وطنية فعلية تتجاوز الحوارات الشكلية وتقوم على إعلان مبادئ واضح كما كما دعا الى ذلك عبيد البريكي او على حوار وطني كما دعا اليه بعض النواب قبل ذلك تشارك فيه القوى السياسية والمدنية التي لازالت تؤمن بإمكانية إنقاذ البلاد من خلال توافق تاريخي جديد، في وحدة تتجاوز الحسابات السياسية القديمة وتضع في صلب أولوياتها معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، باعتبارها القاعدة الصلبة لأي استقرار سياسي طويل الأمد.

هذا يعنى ان جزءا من الداعمين للمسار باتوا يرون ان التحدي المطروح اليوم يتعلق بإعادة بناء الثقة في المسار، وهذا لا يمكن أن يتحقق من وجهة نظرهم إلا عبر تراجع عن منطق التسيير الفردي وتوفير مناخ تشاركي يستوعب الأصوات الداعمة للمسار على الاقل ويدفع في اتجاه تهدئة سياسية عبر اجراءات تحمل رسائل الى الداخل والى الخارج على حد سواء كما يقول البريكي.

رسائل تنتظرها الاحزاب والقوى الداعمة لمسار 25 جويلية ويبدو ان انتظارها قد يتواصل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115