ما يقدم صورة اولية عن اولويات السياسة الخارجية التونسية التي جعلت من العمل القنصلي ثاني عناوينها بعد عنوانها الرئيسي وهو التقارب مع الجزائر ليصل الى حد تماهي المواقف.
ذلك ما تجدد في اللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية قيس سعيد بوزير خارجيته محمد على النفطي يوم الثلاثاء الفارط بعد زيارة الاخير للجزائر يوم الاثنين الفارط واستقباله من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وفق ما نشرته وزارة الخارجية التونسية على صحفتها بمنصة فايسبوك. وجاءت فيه اشارة الى مضمون اللقاء بين وزير الخارجية محمد على النفطي مع الرئيس الجزائري او جلسة العمل التي جمعته مع نظيره.
وفي المناسبتين تمت الاشارة في بلاغ الخارجية الى انه تم التطرق الى العديد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، دون تحديد هذه القضايا او طبيعتها ليقع الاقتصار فقط على الاشارة الى التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والساحل الإفريقي، وهو ما لم يحمله بلاغ رئاسة الجمهورية عن مضمون اللقاء الذي جمع الرئيس بوزير خارجيته يوم الثلاثاء الفارط اي بعد اقل من 24 ساعة على عودته من الجزائر اذ حمل بلاغ الرئاسة ما سبق وحملته بلاغات مماثلة عن لقاءات الرئيس سعيد بوزراء خارجيته خاصة منذ احداث طوفان الاقصى، لتتم الاشارة الى استقلالية القرار الوطني ووقوف تونس الثابت مع الشعب الفلسطيني واهمية ان تقدم القنصليات التونسية في الخارج خدمات ذات جودة للتونسيين.
في بلاغ الرئاسة لم تقع الاشارة لزيارة الوزير للجزائر ولا لمشاركته في «الخطة رفيعة المستوى حول الإصلاحات المؤسساتية بالإتحاد الإفريقي» التي عقدت بالعامصة الكينية نيروبي في 26 و27 جانفي الجاري اذ اقتصر الامر على الاشارة الى ان الرئيس تحدث مع وزيره عن المؤتمرات الدولية التي شارك فيها وعن اللقاءات الثنائية التي عقدها.
وهو ما يطرح عدة اسئلة في علاقة بمضمون رسالة الرئيس الجزائري التي يبدو ان وزير الخارجية نقلها الى تونس، وهو ما يقود اليه بلاغ الخارجية الذي وردت فيه الاشارة الى ان الاوضاع الدولية والاقليمية تستوجب مزيد التشاور بين قيادتي ومسؤولي البلدين لتحديد مقاربة شاملة ومشتركة.
تنسيق يبدو انه يتطور بنسق قد يكون غير مفيد لتونس ومصالحها التي ولئن كانت تتقاسم جزءا منها مع الجزائر الا انها تظل مختلفة عنها ومتباية في عدة قضايا تواري اليوم في ظل تماهي الموقف الدبلوماسي التونسي مع مواقف الجزائر في العديد من القضايا الإقليمية، منها قضية الصحراء الغربية والصراع الليبي وتطورات الاوضاع في الساحل والصحراء الافريقية مع الموقف الجزائري لنقترب من التطابق الكلي الذي يثير تساؤلات حول استقلالية القرار الديبلوماسي التونسي ومدى قدرته على الحفاظ على توازن استراتيجي في المنطقة التي تشهد صراعا جزائريا/ مغربيا.
هذا التقارب الذي قد يفهم من قبل دول المنطقة على انه يتجاوز الشراكة الى التحالف الكامل مع الجزائر مما يجعل من المواقف التونسية في القضايا الاقليمية والعربية ينظر اليها على انها مواقف تعبر عن التقارب التونسي الجزائري لا عن الرؤية التونسية المستقلة والتي تنبع من مصالحها الوطنية وقدرتها على الحفاظ على توازنها الدبلوماسي وتجنب الاصطفاف في الصراعات الاقليمية.
ذلك ما قد يستوجب من الديبلوماسية التونسية ان تنتبه اليه وان الخيارات السياسية الخارجية لتونس تنبع من مصالحها لا من تقاربها او شراكتها مع دول الجوار كما يجب ان تطرح هذه السياسات للنقاش السياسي العام لصياغة عقيدة دبلوماسية تعبر عن مصالح تونس الكبرى.