أسيرات لديها للصليب الأحمر وذلك في الدفعة الثانية من عملية تبادل الأسرى. اختارت المقاومة بعناية المكان من أجل إخراج مشهدية تاريخية استثنائية هزّت كبار قادة أركان الاحتلال وجيشه وحكومته.
إنه مشهد مليء بمعاني الكرامة والعزة والانتصار، فقد أمضت حماس على قرار الإفراج عن الأسيرات لديها، ولكنها في الوقت نفسه كانت تمضي على قرار انتصارها في هذه الحرب الشرسة والإمتحان الأصعب ضد نتنياهو وحكومته وداعميه. إنه انتصار أخلاقي وسياسي وعسكري ودبلوماسي بامتياز بالنظر الى عدم تكافؤ موازين القوى بين حركة مقاومة شعبية بقدرات محدودة وبين أحد أعتى جيوش العالم.
لقد بعثت المقاومة عدة رسائل للاحتلال والعالم أولها هو أنها جزء لا يتجزأ من قاعدتها وحاضنتها الشعبية. فقد تمّ الاحتفال بصفقة التبادل بمشاركة وحضور جمهور غفير ضمّ النساء والأطفال الذين تجمعوا حول قوات كتائب القسام وسرايا القدس، ليقتسموا مع أبطال المقاومة فرحة النصر وبهجة الافراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين جلّهم من حاملي المؤبدات. فكانت الرسالة الأهم للعالم الذي يتابع عبر عدسات الكاميرا مراسم الصفقة ، بأن المقاومة كتبت انتصارها بالدم متسلحة بحق تاريخي بأنها صاحبة الأرض وذلك رغم أطنان الركام والأنقاض ورغم التقتيل والتدمير. أما الرسالة الثانية فقد بعثها هؤلاء الأطفال الذين لوحوا بإشارات النصر بكل عفوية وثقة أمام عدسات الكاميرا، فهم جيل المقاومة القادم الذي نشأ في مخاض طوفان الأقصى والذي سيظل يواجه المحتل الغاصب مهما ارتكب من فظائع وانتهاكات وجرائم.
أما الرسالة الثالثة فتتمثل بقدرة حماس على التحكم بكل تفاصيل ومراسم صفقة الإفراج عن الأسرى، وقد كان حضورها كبيرا ولافتا مع كل ما تمتلكه من ثقل على الأرض. كما أن ظهور المجندات الإسرائيليات بصحة جيدة وبمظهر أنيق، واعتلائهن منصة مراسم التسليم التي اختارت المقاومة شعاراتها بعناية، وهن يلوحن للحشود، بدا للكثيرين بأنها رسائل أخلاقية واستراتيجية إلى العالم وإلى حكومة الاحتلال التي تمارس أبشع أنواع التعذيب ضد الأسرى الفلسطينيين.
وفي خضم ذلك يواصل العدو عدوانه على الضفة الغربية لليوم السابع على التوالي، وذلك في سياق محاولات نتنياهو الهروب من كابوس غزة المرير، وتعوّيض فشله الذريع مع حماس من خلال ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر بحق مخيم جنين. وبينما تتطلع الأنظار إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من الصفقة، جاء قرار ترامب بالموافقة على تسليم بلاده لإسرائيل شحنة قنابل بزنة ألفي رطل كانت إدارة بايدن قد جمدتها، وكذلك اقتراح ترامب نقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر، ليثير التساؤلات حول دلالات هذا الدعم الأمريكي ويلقي المزيد من الغموض حول مستقبل الهدنة في غزة مع رفض نتنياهو الاستكانة لفشله هناك.
وبموازاة ذلك يواجه نتنياهو صفعة أخرى في جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة الستين يوما وقراره إبقاء قواته على الأرض لما بعد المهلة، وذلك في انتهاك واضح وصريح لما جاء في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة أمريكية، حيث تهافت امس أهالي الجنوب اللبناني للعودة الى قراهم وبلداتهم واقتحموا الحواجز باللحم الحي رغم التهديد الإسرائيلي بالقــتل.
لقد تقدّم الجنوبيون بهتافات النصر ومهدوا الطريق لجيشهم اللبناني رافعين أعلام الأرز والمقاومة، وأزالوا الأسلاك الشائكة التي وضعها الاحتلال. إنه يوم للعبرة ودرس آخر من دروس المقاومة الشعبية قدمّه الجنوبيون للعالم أجمع وليس فقط للإحتلال. فهم لم يحرروا بسواعدهم فقط بلدات عيتا الشعب ودير سريان وعدشيت القصير والطيبة، والقنطرة ومارون الراس وغيرها، بل حرروا لبنان من جديد. إنهم الحافظون لحدودهم بالدماء يحملون أمانة الأجداد حتى آخر شبر من الأرض.