على لاقناع الناخبين بجدارتهم باصواتهم في ظل مناخ عام يتسم اليوم بحدة الاستقطاب بين معسكرين اساسيين، يتقدم كل منهما بخطاب يحرص فيه على نفي الاخر والتاكيد على ان الانتخابات محطة لحسم الصراع الذي انطلق منذ 25 جويلية بين انصار حملة الرئيس الساعى لعهدة ثانية تحت شعار مركزي: «استكمال حرب التحرير» وبين انصار المترحشين الاخرين الرافعين لشعارات جوهرها وضع حد للمسار واعادة البناء.
شعارات الحملة الانتخابية حتى وان كانت غير نهائية وغير رسمية توشح الملصقات الانتخابية للمترشحين، تغذي التجاذب والانقسام الحاد بين مكونات الطيف السياسي التونسي، حيث ان الخطاب الانتخابي والحجج التي يقدمها انصار هذا المترشح او ذاك تنطلق من مقولة وحيدة مركزية وهي «الغاء الآخر» من المشهد السياسي في عملية سياسية الى حد اليوم لم تتطور بعد الى عنف يشق المجتمع التونسي.
هذه الحدة يتأثث خطابها بعبارات ومصطلحات اقصائية تلغى الاخر من المشهد السياسي كليا، بعضها صادرة عن انصار الرئيس والمتطوعين للتسويق السياسي لحملته او عن خصومه وانصارهم الذين انطلقت، بالنسبة لهم، عملية التسويق لمرشحيهم لدى التونسيين اما عبر وسائل الاعلام او من خلال منصات التواصل الاجتماعي او في الفضاء العمومي، ولئن تناقضت غايات كل فريق منهم الا ان الجميع يشتركون في تغذية الفضاء العام بمختلف تمظهراته بخطاب حاد وعنيف.
ويستند عنف هذا الخطاب الى مقولات تختلف باختلاف جهة صاحبها، وهي تتضم في جانب منها معجما حربيا يسوق لفكرة حرب التحرير من عدو داخلي هو امتداد لاعداء خارجيين، وهذا العدو تتفرع عنه قطع صغيرة مترابطة تتضمن رجال اعمال واعلاميين وسياسين ومسؤولين في الدولة حاليين او سابقين، ويبقى هذا العدو هلاميا غير واضح المعالم يتشكل وفق سياق الخطاب ولحظته والطرف الذي يواجهه.
هذا الخطاب يقسم التونسيين الى «وطنيين» و«صادقين» و«احرار» في مواجهة «خونة» و«عملاء» و«مأجورين» يقابل ذلك خطاب صادر عن انصار المعارضة سواء منها تلك التي اعلنت عن مقاطعتها او التي عبرت عن مشاركتها في العملية الانتخابية، يتضمن عناصر اساسية تجمع بين التشكيك في كفاءة الطرف المقابل الذي تعتبر انه يقود البلاد الى «هلاكها» مما يستوجب الانقاذ ووضع حد لما يصفونه بـ«العبث».
هنا الخطاب بدوره يستند كذلك الى الغاء الاخر حتى وان اختيرت مصطلحات اقل حدة اوبعيدة ظاهريا عن الصدام الا انها تعكس تنامي الانقسام الحاد في المجتمع الذي يهدد جزء منه الاخر بالمحاسبة والسجون، ويعلن عن ان نفيه من المشهد السياسي مسألة وقت فقط، وان حسم الناخبين سيرافقه حسم قضائي يلغى كامل المرحلة ومختلف وجوهها.
هنا تتجلى في خطاب كل طرف ماهية المرحلة التي يعلن عن وضع حد لها وانهائها. انصار الرئيس المتمسكون بمقولة حرب التحرير يشددون على ان انهاء العشرية لم يكتمل بعد، وان اكمالها مرتبط بنتائج الانتخابات، اي ان هذه الانتخابات ستضع حدا لمرحلة يعتبرونها كارثية على البلاد وادت الى الـ 25 من جويلية الذي بات اليوم في خطاب انصار المسار بمثابة مرحلة تمهيدية لمسار 6 اكتوبر الضروري لاستكمال محاسبة رموز المرحلتين السابقتين، مرحلة ما قبل الثورة ومرحلة الانتقال الديمقراطي. المحاسبة هنا لا تقتصر على الشكل القانوني بل تشمل الجوانب الادارية والاقتصادية وكل اوجه الحياة العامة.
اما منافسوا الرئيس وانصارهم فيعتبرون ان المرحلة التي يريدرن انهاءها هي الفترة الممتدة على السنوات الثلاث الفارطة، اي مرحلة الاستثناء وما نجم عنها من بناء دستوري وقانوني، و يتضمن الانهاء الغاء كل التدابير والخطوات التي اتخذت في البلاد منذ 25 جويلية ومساءلة كل المسؤولين عما حصل.
هذه هي الصورة الاولية لما قد تؤول اليه الاوضاع في الحملة الانتخابية والتي توحي مؤشراتها الاولى الى انها في جانبها الرسمي المنظم من قبل المترشحين الثلاثة او فرق حملاتهم الرسمية قد تكون متثاقلة بنسق ضعيف، الا ان الانصار سيكون لهم دور محوري في تغدية الاستقطاب بالترويج لخطاب اقصائي يقوم على ضرورة الغاء الاخر من المشهد السياسي وبشكل كلي.