قصر المدة الفاصلة بين الحدثين، اللذين أعادا تشكيل السلطة التنفيذية، يكشف عن وجود تطور في العقل السياسي المنظم والمسير لشؤون الحكم عنوانه الأبرز: التعويل على الإدارة بدل التعويل على «أبناء المشروع» مما يبين ان تقييم حصيلة السنوات الثلاث الفارطة كان سلبيا.
النقطتان اللتان التقى عندهما التحوير الوزاري و حركة سلك الولاة اقترانهما بإعفاء من تبقوا من الأسماء المحسوبين بشكل مباشر أو غيره بالمشروع السياسي الذي أعلنه الرئيس في حملته الانتخابية في 2019 او في ظل مسار 25 جويلية، والذين طالهم الانتقاد في الفترة الاخيرة من قبل الرئيس بشكل مباشر كشف عن عدم رضا الرئيس على عملهم مركزيا او جهويا وحملهم مسؤولية عدم تنزيل السياسات العامة للدولة التي رسمها الرئيس وفقا للدستور.
هذه الحركة الشاملة طالت المواقع الشاغرة في ولايات استمرت لأكثر من سنتين في بعضها لم تمر دون ان تنهى ما تبقى من وجود المحسوبين على المشروع السياسي لمسار 25 جويلية في الجهاز التنفيذي للدولة، وهذه المرة عبر اعفاء ولاة برزوا منذ 2019 وبعد 25 جويلية كقادة في مشروع البناء القاعدي ومن ابرزهم الخماسي المتكون من ولاة بن عروس وبنزرت وسيدي بوزيد ومدنين اضافة الى والية نابل التي كانت تقدم اعلاميا باعتبارها من أنصار المشروع السياسي للرئيس وانها ممن ساهموا في رسم بعض ملامح المشروع في اشارة الى الشركات الاهلية.
إعفاء الولاة الخمسة وتغير الحكومة يبدو وفق كواليس الحكم نقطة تحظى بتوافق وانسجام كلي بين الرئيس قيس سعيد ورئيس حكومته الجديد الذي شهدت معه اجهزة السلطة موجة تغيير ابعدت «السياسيين» وابناء التنسيقيات وأحلت بدلا عنهم ابناء الإدارة وسلك القضاء، ويبدو ان ذلك يندرج في اطار اعداد البلاد لمرحلة جديدة.
مرحلة تبرز عناوينها الكبرى في خطاب الرئيس اثناء مراسم تعيين الوزراء الجدد، واول بنودها انسجام الحكومة والجهاز التنفيذي للدولة مع خيارات الرئيس والانضباط لها، وثانيها وضع حد لصراع مراكز النفوذ في الحكومة او بين الحكومة والمحسوبين على المشروع والسعي الى توحيد جهاز الدولة مع الإدارة التي ستتولى اثر الانتخابات تطبيق السياسات العامة.
هذه المرحلة ستظل مؤجلة الى حين الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي في السادس من اكتوبر القادم، والذي يبدو انه اثر بأشكال عدة على توقيت التغيير ، اذ يبدو ان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مجمعان اليوم على ان يكون التغيير الشامل لأعضاء الحكومة والولاة سابقا للانتخابات، وهذا يوحي بان السلطة التنفيذية ترغب في في اعادة ضبط الجهاز قبل الانتخابات بهدف توجيه رسائل الى جمهور الناخبين من بينها ان ما بعد 6 اكتوبر مختلف عما قبله وأول ملامح الاختلاف والتغيير التحوير الشامل على الجهاز الإداري للسلطة مركزيا وجهويا بعد الاستغناء عن فريق حمله الرئيس الحصيلة غير الإيجابية للحكم بل ولمح إلى تواطئه مع اللوبيات والفاسدين.
ولا تقتصر الرسائل على هذه النقطة بل تستند اليها وتسترسل للإشارة الى ان السلطة قامت بتقييم حصيلة الحكم ووقفت على الهنات والتعثرات وحدّدتها ومرت الى محاسبة المسؤولين عنها ، وهي اليوم،عشية الانتخابات، تعالج كل هذه الاخطاء وهي مستعدة للانطلاق في العمل من أجل تحقيق منجزات اقتصادية واجتماعية، ولكن بعد استحقاق السادس من اكتوبر.
استحقاق يبدو انه هيمن على ذهن المنظم لعمل السلطة ويدفعها الى اعادة تشكيل نفسها وعملها على وقعه ورهاناته.