ليغذى الصراع المكتوم بين المجلس الذي يسعى الى ممارسة الحكم عبر دوره الرقابي وبين السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة التي تعددت خطواتها وحركاتها التي تحاصر المجلس ونوابه في دوره التشريعي بل وتحديد حدود هذا الدور في خدمة الحكومة واستراتيجيتها.
يوم الاثنين الفارط، الثامن من جويلية الجاري، تكرر في البرلمان مشهد احتجاج النواب بطريقتهم الخاصة على اعضاء الحكومة، حصل ذلك بانسحاب عدد من لانواب من اشغال اليوم الدراسي البرلماني المخصص لتطوير منظومتي التعليم التقني والمهني، وكان الداف الى ذلك «ما اعتبروه عدم احترام وزيرة التربية سلوى العباسي لدورهم الرقابي» وفق تصريحات عدد منهم.
من بين النواب الذين عللوا انسحابهم بما اعتبروه حركة احتجاجية على سلوك وزيرة التربية، النائب سيرين مرابط التي قالت في تصريح للاذاعة الوطنية، إن الوزيرة بمطالبتها لهم باختزال مداخلاتهم والتسريع في اشغال اليوم البرلماني رأو في ذلك عدم احترام من الوزيرة لدورهم الرقابي رغم تشديد الوزيرة في تصريحات لها على انها ليست في خصومة مع النواب وانها ستعود بعد يومين الى المجلس.
خطاب الوزيرة نفى وجود خلاف او صراع مع المجلس وان اعتبار طلب الوزيرة بان تغادر مبكرا اليوم البرلماني بعدم احترام دورهم الرقابي من قبل السلطة التنفيذية، لا يمكن ان يبين حقيقة المشهد برمته اذا لم ينظر اليه مع كل الاحداث والمؤشرات المتكررة عن توتر العلاقة بين المجلس والحكومة.
احتدام الصراع بسبب طلب الوزيرة المغادرة مبكرا كان دافعه الرئيسي غير المعلن بصراحة، ما اعلنته الوزيرة من انها لن تراجع المنشور الصادر عنها والذي يمنع اي شخص من دخول المؤسسات التربوية دون اذن مسبق من مندوب التربية الجهوي بمن في ذلك نواب مجلس الشعب.
هذا المنع والتمسك به اثار حفيظة النواب الذين اعتبروا ان ذلك تمش ممنهج من الحكومة للتضييق على عملهم الرقابي والحد من قدرتهم على ممارسة دورهم كممثلين منتخبين، هذا التمشي الذي اعتبروه وفق ما قدموه من معطيات متفرقة يتمثل في اصدار وزارتين لمنشورات داخلية تضيق الخناق على عمل النواب. الاول من وزارة الداخلية موجه الى الولاة والذي يسحب من النواب دورهم الرقابي في جهاتهم ويحد من قدرتهم على التعامل من السلطات المحلية. والثاني المنشور الاخير لوزارة التربية.
مناشير داخلية موجهة لاطارات ومؤسسات تخضع لاشراف السلطة التنفيذية تتضمن توجيهات عامة جعلتهم يعتبرون ان الحكومة ترى ان صلاحيات مجلس نواب الشعب واعضاءه لا تتضمن ما يسمح لهم بالمشاركة في الحكم او التوجيه بل هي مقتصرة على اصدار التشريعات والقوانين كما ان الاولوية ليست لمبادرات المجلس بل لمبادرات السلطة التنفيذية.
رسالة فككها النواب وادركوا منذ بداية عهدتهم انهم في مشهد سياسي وبرلماني وادركوا انهم امام وضعية مغاير لما كانوا يعتقدونه وعبروا عنه في حملاتهم الانتخابية وبرامجهم التي تجاوزت دورهم التشريعي لتكون برامج حكم، ادراكهم لهذا الامر كان متدرجا قبل ان يصطدموا بممارسات الحكومة التي تجنبت المجلس قدر استطاعتها وكشفت عن التعارض بين تصوراتهما.
هنا حاول البرلمان ان يوجه رسالة الى الحكومة بانه قادر على اعاقة عملها بوضع عدة تعقيدات امامها، وان الغاية ليست جلسات المساءلة أو الاسئلة الشفاهية او الكتابية الموجهة من قبل النواب الى اعضاء الحكومة، بل في اسقاط مشروع قانون أساسي يتعلق بالموافقة على اتفاقية مقر بين حكومة الجمهورية التونسية وصندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس.
قانون صوت البرلمان ضده وكانت رسالته السياسية المباشرة ظهوره كلاعب يحتكم على اوراق يمكنها ان تكون مؤثرة في المشهد، وكان تعاطي الحكومة مع التصعيد كان الذهاب الى ابعد حد في محاصرة المجلس داخل قصر باردو وجعله يقف عند دوره التشريعي مع تعديلات لهذا الدور ومحاولة جعله لا يكون ضد خطط الحكومة ومشاريعها