في مراكز القرار والحكم او في مواقع الاحتجاج وتوجيه الرأي العام او أي نفوذ ما مع حضور يكاد لا ينقطع في وسائل الإعلام، أما اليوم فلا أثر لهم مطلقا ولاتسمع موقفا من أحدهم او تقرا له حتى مجرد تدوينة فيها راي او خواطر من القضايا الكبرى التي تهم الشأن الوطني.
لو اردنا ان نحصي كل هولاء «المؤثرين» للمشهد خلال العقد الأول للثورة والذين غابت عنا آراؤهم وصورهم ومواقفهم وطموحاتهم لاصابنا الذهول..فنحن نتحدث عن شخصيات هامة وهامة جدا.. بعضها شغل مناصب متقدمة في الدولة، بل المناصب الأولى، وبعضها اسس أحزابا كانت تطمح للوصول إلى الحكم، والبعض الاخر كان يمني النفس بالوصول إلى رئاسة الدولة، وكانوا يقولون لنا أن لديهم رؤية لتونس ومستقبلها ومستقبل أجيالها وأنهم وطنيون إلى النخاع وأنهم عازمون على الاسهام في النهوض بالبلاد و.. و.. و..
وكان البعض يصدقهم، بل َيتزلف إليهم، وتكَونت حولهم حلقات من المريدين او المتزلفين، يلهجون بأسماء هؤلاء السادة صباح مساء ويوم الأحد ويكونون حولهم حاشية ضخمة طمعا في مجد قائم فعلا او آت لا محالة..
من حسن الصدف ان هولاء قد غابوا عن الابصار والاسماع هم وحاشيتهم وحواشيهم.. ولم يبق من الكم الهائل من الطموحات والاصوات والمشاريع سوى ذلك النزر اليسير من النزهاء الذين اعتقدوا، خطأ، ان خلاص تونس سيكون على أيدي هؤلاء.
نحن لا نتساءل عن وجود هؤلاء لاننا افتقدنا أصواتهم اَو احتجنا إلى خبرتهم او ضاعت عنا حكمتهم بل لفهم جزء من المشهد الذي خيم على البلاد خلال تلك العشرية وكيفية تمكن هذا العدد الهام من أصحاب الطموحات الفردية من إيهام جزء من الرأي العام باننا ازاء نخب جديدة تريد، فعلا، الاسهام من موقع الريادة في بناء البلاد..
لو تجاوزنا مختلف الحالات الفردية وما قد يكون من تبريرات - لو وجدت- الذي يقدمها هذا او ذاك يمكننا ان نقول ان الخيط الرابط بين هؤلاء هو دخولهم عالم السياسة في سن الكهولة وبعد الثورة لا قبلها ومن موقع الحكم او الطموح اليه لا من موقع ايمان الشباب بقيم او بأفكار يريدون التضحية من أجلها.
يوجد فرق كبير بين من دخل عالم السياسة في شبابه من موقع القيم والمبادئ والايديولوجيا في زمن كان هذا الالتزام حاملا لمخاطر على الشخص وعلى الحزب الذي ينتمي اليه واضحة وجلية وبين من دخل هذا العالم زمن «الرفاه» الديمقراطي حيث يكون «الخطر» الوحيد عدم القدرة على تحقيق أحلام شخصية وطموحات فردية يسعى إلى اخفائها.. هذا الفرق ترى نتائجه اليوم بكل وضوح، فعندما أصبح الالتزام السياسي محفوفا ببعض المخاطر افرنقع هؤلاء عن مائدة الشأن العام في لمح البصر.
من حق كل فرد ان يُؤثر سلامته الشخصية الا أنه ليس من حقه ان يوهمنا بقدرته على تحمل صعاب لم يركبها قط في حياته..
على كل حال يبقى تبخر الفقاقيع مفيدا لاتضاح الرؤيا للتخلص من جزء من الأوهام التي نحملها عن الأشخاص وعن الأشياء.