لا بديل ديمقراطي عن الديمقراطية الليبرالية: (الحلقة الأخيرة) V- الديمقراطية والعلاقات الدولية والسيادة الوطنية

اكدنا خلال الحلقات السابقة ان الديمقراطية الليبرالية نظام حكم لدولة مخصوصة

وأن لهذا النظام شروط امكان دونها يستحيل اقامته وقد ألمحنا كذلك إلى أن ما يصلح داخل الدولة لا يصلح ضرورة خارجها. بعبارة اوضح للديمقراطية الليبرالية شروط صلاحية، وهي الدولة الوطنية اما العلاقات بين الدول والشعوب فهي محكومة بقواعد اخرى لا علاقة لها بقواعد الحق والقانون بل تخضع في الاخير إلى منطق موازين القوى والقوة الصلبة او الناعمة لكل دولة او تحالف دول .

كما أنه لابد من التنويه بأن التحالفات الدولية لا تقوم على أساس طبيعة نظم الحكم بل على المصالح الاستراتيجية لكل مجموعة بشرية .

لتوضيح هذه الفكرة نضرب مثالا عمليا: لنفترض ان تونس هي الديمقراطية الليبرالية الوحيدة عربيا وافريقيا وأن كل الدول الغربية ديمقراطيات ليبرالية، فهل يعني هذا أن الغرب هو حليفا الطبيعي وأن مصالحنا الاستراتيجية تتماهى معه ؟

الجواب واضح عندنا: لا وقطعا لا

الفضاء الطبيعي لتونس هو محيطنا المغاربي اولا والفضاء العربي والإفريقي بالتساوي ثانيا حتى وإن اختلفت أنظمتنا السياسية بصفة جوهرية الا أن المصالح الاستراتيجية للأمم – ولتونس في وضعية الحال – انما هي ضمن فضاءاتها الطبيعية بداية دون أن يعني ذلك استعداء الفضاءات الاخرى أو عدم تطوير علاقات تجارية واقتصادية وثقافية مربحة لنا ولهم.

ان ما يدعونا الى مثل هذا القول ، الملاحظة العيانية المباشرة والتي تفيد ان المصالح الاستراتيجية للدول لا تحدد بالأساس بالمعايير الديمقراطية التي قد تسري داخلها بل بالتموقعات الحضارية الكبرى لها ودليل ذلك موقف جل الدول الغربية الكبرى ذات الماضي الاستعماري مما يحدث من حرب ابادة في غزة وكيف انها تسوي – في أحسن الحالات – بين الضحية والجلاد .

عندما نقول هذا نحن لا نهون مطلقا من حركات التضامن والمساندة التي يبديها جزء من الرأي العام الغربي مع قضايا الحرية عامة والقضية الفلسطينية خاصة، لكن للأسف الشديد العلاقات بين الدول تحكمها علاقات القوة والهيمنة لا قيم الحق والحرية والعدل وهكذا يكون من السذاجة الاعتقاد ان الصراعات الدولية الكبرى صراعات بين معسكري الديمقراطية والتسلط، بل هي صراعات بين محاور الروابط بينها اعمق وأقدم بكثير من الديمقراطية الليبرالية .

لاشك أن تناقض النظم السياسية في مجموعة ما (المغرب العربي مثالا) يؤخر بوضوح الوصول الى الوعي بالمصالح الاستراتيجية المشتركة، كذلك السياسات الخارجية الانفرادية لهذه الدول التي تعتقد أن التنافس بينها هو الاساسي فتراها تحرص على عقد صفقات او اتفاقيات مع فضاءات اخرى على حساب الدول الشقيقة لها وهذا ما يفسر لِمَ لا نزن نحن في معترك الامم، ولِمَ بقينا على هامش اكتساب عناصر القوة والسيادة من تقدم علمي وتكنولوجي وصناعي وفلاحي لأن ذلك يحتاج بداية الى الوعي بالمصالح الاستراتيجية المشتركة .

لنكن صرحاء مع أنفسنا: الوعي الاستراتيجي بالمصالح المشتركة مازال ضعيفا لا فقط عند نخب الحكم ولكن ايضا عند النخب الديمقراطية المعول عليها ، اكثر من غيرها ، النضال من أجل البلورة النظرية والعملية لهذه الرؤية الاستراتيجية .

ثم عندما يتعلق الأمر بفضاء شديد التفتت او التعقيد كالفضاءات المغاربية والإفريقية والعربية يبدو لنا أن احدى المعيقات الاساسية امام قيام جبهات اقليمية وازنة هي كثرة النظم التسلطية داخل هذه الفضاءات والتي من مصلحتها ادامة حالة التشتت هذه لأن اقتراب هذه الفضاءات من نقطة الوعي المشترك لا يمكن ان يتم عبر القهر او تسلط دولة على اخرى بل لا ولن يكون إلا ضمن مسار تشاركي ديمقراطي تلعب فيه النخب الفكرية والسياسية والجمعياتية الدور الأبرز.

معارك الديمقراطية طويلة ومعقدة في فضائنا التونسي والمغاربي والعربي والإفريقي، لكن كما يقال مسافة الميل تبدأ بخطوة.

(انتهى)

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115