وانك مصمم على الذهاب الى النهاية في اضراب الجوع، انتابني شعور غريب هو مزيج من الالم والغبن والخوف ..لقد كنت محتاجا الى صوت دليلة في المذياع حتى اقف على حجم الكارثة وهولها،فنحن البشر نحتاج دوما كذلك الى منبّه يخرجنا من سباتنا.. لقد لازمني صوت دليلة الى ان سكن في اعماق اعماقي، وأمام قلة الحيلة والشعور بالعجز انهمرت العبرات في صمت وأنا اخفيها .. وتحولت العبرات الى عبارات تشق طريقها متناغمة حينا ومضطربة احيان كثيرة . العزيز جوهر تساءلت كيف سأخاطبك ؟ وآي الالفاظ انسب واسلم ؟ عزيزي ؟ الاستاذ ؟ السيد ؟ جوهر فقط كما اناديك كلما التقيتك ؟ لقد اخترت لفظة العزيز ففيها معاني العزّة والرفعة والندرة وفيها اشارة ايضا الى اسم والدك عزّالدين،فمقام العزّة هو الذي يليق بك. العزيز جوهر لست أدري هل تذكر – ولعلك قد نسبت – ان اول مرّة التقينا فيها كانت منذ 35 سنة على ما اذكر في الصائفة التي تحصلت فيها بتفوق على شهادة الباكالوريا آداب وكان ذلك في قليبية في منزل الراحل الكبير جلبار نقاش وكان يكاد يهذي باسمك ويشيد بإطناب بنبوغك وسعة اطلاعك وذكائك الوقاد وأنت تسبح في البحر وتستعد لحياة طلابية مليئة علما ونضالا .. وقد رأيتك بعد بضعة اشهر في كلية الحقوق بتونس بمناسبة التئام المؤتمر الخارق للعادة الثامن عشر للاتحاد العام لطلبة تونس وكنت رغم حداثة عهدك بالجامعة ضمن تشكيلة المكتب التنفيذي وكنت اتحادث انذاك مع راحل كبير آخر نورالدين بن خذر حول المهام المطروحة على النخب وعلى الشباب خاصة من اجل بناء وطن يتسع للجميع . وتمضي السنون ونلتقي مرة اخرى ولكن هذه المرّة في منزلي في صائفة 2011 وباقتراح من جلبار نقاش وكان مدار الحديث انتخابات المجلس التأسيسي وترشحك على قائمة دستورنا بدائرة تونس 2.. مازلت أذكر الحماس الوقاد لجلبار نقاش وأحلامك الطموحة لتونس الثورة ..وكان ذلك اللقاء المطول الوحيد الذي جمعنا على امتداد كامل هذه العقود. العزيز جوهر تذكرت كل هذا وصرخة دليلة تدوي في أعماقي .. ربّما عمدت نفسي الى تخفيف حدّة بعض لقاءاتنا الخاطفة في هذه السنوات الاخيرة وخاصة بعد انتخابات 2019.. لقد كنت حادا معك ولعلّي قد اسأت الادب معك ذات مرّة فأردت تذكيرك بهذا الماضي عساه يشفع لي عندك وتجد لي عذرا فطيش الشباب، كما تعلم، لا سنّ له. العزيز جوهر عندما تم اعتقالك ثم ايداعك السجن انت ورفاقك بتهمة التآمر تساءلت كثيرا من جدوى ومعنى معاركنا الصغيرة السابقة وكيف انساق جلّنا وراء الفرعيات والجزئيات وقسونا على بعضنا البعض بدلا من الاضطلاع بمهمة البناء المشترك ..بناء وطن يتسع للجميع ويعيد الامل الى شاباته وشبابه ..كم كانت بعض معاركنا صغيرة .. كم اضعنا من فرصة للبناء والتقدم..كم.. كم.. هذه المحنة التي ابتليتم بها والتي منعنا في الخوض فيها ينبغي ان تكون لنا درسا جميعا، وكم نحتاجك لهذه المعارك الحقيقية القادمة ..لم يحن بعد وقت الرحيل يا جوهر .. لم يحن .. العزيز جوهر لقد زادت قرابتي بك دون علمك وأنت في سجنك عندما علمت ان الاخ والصديق والمثقف المفكر والفيلسوف – وانا لا اطلق هذه الصفات جزافا – رضا الزواري هو خالك وكم فرحت عندما علمت انك تمكنت من حضور موكب دفنه .. العزيز جوهر لست ادري متى وكيف ستقرأ رسالتي هذه ولست ادري كيف ستجدها، لكنها كانت ضرورة حيوية بالنسبة لي لا لأناشدك برفع اضراب الجوع ولكن لأخبرك بأنني سمعت مناديا ينادي: يا جوهر لم يحن بعد وقت الرحيل .. يا جوهر لم يحن بعد وقت الرحيل .. لست ادري من يكون هذا المنادي.. لعله جلبار نقاش او نورالدين بن خذر .. ولعله خالك رضا الزواري..ولعله صوت عليّ رأف لحالي فأراد طمأنتي .. يا جوهر لم يحن بعد وقت الرحيل .. يا جوهر لم يحن بعد وقت الرحيل العزيز جوهر اني أمني النفس بأن نتحادث ونتحاور في وقت قريب .. وأعدك أنني سأنصت إليك وسأجتهد لتجاوز الاعتداد بذاتي لأتعلم منك ومن دروس محنتك ومن صفاء سريرتك. يا جوهر لم يحن بعد وقت الرحيل .. يا جوهر لم يحن بعد وقت الرحيل
رسالة خاصة إلى جوهر بن مبارك
- بقلم زياد كريشان
- 15:00 09/05/2024
- 918 عدد المشاهدات
العزيز جوهر
ما ان سمعت صيحة فزع شقيقتك ورفيقتك دليلة مصدق بأنك تضيع بين يديها